حقق مسلسل على نتفليكس تدور أحداثه في أوساط اليهود في تركيا نجاحا غير متوقع في البلاد، متحدياً المحظورات ومستقطباً الجمهور للتعرف على مجتمع جرى تجاهله لفترة طويلة. وتتزامن شهرة المسلسل مع عودة الدفء إلى العلاقة بين تركيا وإسرائيل وتراجع منسوب الشعارات المعادية لإسرائيل من جانب القيادة التركية. ولقيت المسلسلات التلفزيونية التركية التي غالباً ما تروّج لقصص تحظى برضا حكومي، نجاحاً عالمياً جعل من البلاد قوة كبرى على الشاشات الصغيرة في العالم. لكن مسلسل “ذي كلوب” الذي تدور أحداثه في خمسينات القرن الماضي هو الأول من نوعه، لأسباب ليس أقلها أن بعض الحوارات التي يتضمنها هي باللادينو، لغة يهود إسطنبول المستمدة من الإسبانية في العصور الوسطى. وبعدما عاشت الأقليات في الماضي مراحل ازدهار في العاصمة متعددة الثقافات للإمبراطورية العثمانية، عانى يهود إسطنبول مذاك من الاضطهاد والتمييز. ◙ في حالة لتماهي الفن مع الواقع، أصبح "ذي كلوب" أكثر المسلسلات مشاهدة في تركيا تزامناً مع تقاربها مع إسرائيل وآثر اليهود التكتم حول هويتهم لحماية أنفسهم، متمسكين بالعادة اليهودية التركية المعروفة بـ”كاياديس” بلغة اللادينو، ومعناها “الصمت”. لكن مسلسل “ذي كلوب” الذي تدور أحداثه في ملهى ليلي في الجانب الأوروبي التاريخي لإسطنبول، يضع حداً لهذا الصمت. يتطرق المسلسل إلى الهجمات والاضطهادات التي دفعت بالكثير من اليهود واليونانيين والأرمن إلى مغادرة تركيا في القرن العشرين، بما في ذلك ضريبة الثروة التي فرضتها السلطات التركية على غير المسلمين عام 1942 إضافة إلى أعمال الشغب ضد الأقلية اليونانية (ما عُرف بـ”بوغروم إسطنبول”) عام 1955 والتي أطلقت العنان للعنف ضد جميع الأقليات الأخرى. ويقول نيسي ألتاراس المحرر في مجلة “أفلاريموز” الإلكترونية التي يديرها شباب من اليهود الأتراك “الصمت لم يحمنا من معاداة السامية كما لم يمنع الهجرة إلى بلدان أخرى”. ويوضح لوكالة فرانس برس “نحن في حاجة إلى رفع الصوت، بما في ذلك في المسائل السياسية التي أرادت الأجيال السابقة تجنبها”. ◙ المسلسل يتطرق إلى الهجمات والاضطهادات التي دفعت بالكثير من اليهود واليونانيين والأرمن إلى مغادرة تركيا في القرن العشرين ولا يزال أقل من 15 ألف يهودي يعيشون في تركيا، بعدما كان عددهم 200 ألف في بداية القرن العشرين. وغالبية هؤلاء هم من يهود السفارديم الذين فرّ أجدادهم إلى الإمبراطورية العثمانية بعد طردهم من إسبانيا عام 1492. في حالة نادرة لتماهي الفن مع الواقع، أصبح “ذي كلوب” أكثر المسلسلات مشاهدة على نتفليكس في تركيا تزامناً مع محاولات أنقرة إصلاح العلاقات مع تل أبيب. وبعدما كان البلدان متقاربين تاريخياً، توترت العلاقات بينهما بسبب معاملة إسرائيل للفلسطينيين وتصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وُصفت بأنها معادية للسامية. وقد نشرت الصحف التركية الموالية للحكومة في السنوات الأخيرة مقالات ومواضيع وُصفت من الجهات الداعمة لإسرائيل بأنها معادية للسامية. لكن الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ قام بزيارة تاريخية إلى تركيا في وقت سابق من هذا الشهر، أجرى خلالها محادثات مع نظيره رجب طيب أردوغان. حتى أن هرتسوغ زار الحي الذي صُور فيه مسلسل “ذي كلوب” في إسطنبول. وأثار المسلسل، لاسيما مشاهد أعمال الشغب في شارع استقلال في إسطنبول في سبتمبر 1955 عندما استهدفت مجموعات عنفية أفراد الأقليات ونهبت متاجرهم، جدلا حادا في وسائل الإعلام التركية وعلى الإنترنت حول الحاجة إلى مواجهة التاريخ. ويقول رئيس المتحف اليهودي في تركيا سيلفيو أوفاديا “لم يعرض أيّ برنامج تلفزيوني آخر الأحداث المعادية للسامية في هذه الفترة بهذه الطريقة اللافتة”. ويوضح ألتاراس “هذا الجزء من التاريخ لا يُدرَّس في المدارس في تركيا، لذا فإن الكثير من الأتراك تعرّفوا على هذه الحقبة بفضل المسلسل”. وتشير بينار كيلاووز الباحثة في شؤون اليهود السفارديم في جامعة باريس – سوربون إلى أن “المسلسل يدعونا لأن نشكك في الرواية الرسمية ونسأل أنفسنا: ماذا حدث ليهود تركيا؟”. ويرى ألتاراس أن المسلسل أثّر على السياسة التركية المحلية. ويقول ليس من قبيل المصادفة أن يكون زعيم حزب المعارضة الرئيسي أدخل للتو السعي لـ”تضميد جراح الماضي” في حملته، في إشارة إلى الهجمات على الأقليات. ويرى عزت بنا، وهو موسيقي قدّم خدمات استشارية للمسلسل، أن “ذي كلوب” حقق “معجزة” بإعادة إنشاء الحي اليهودي الذي عرفه في طفولته. ويقول بنا “كنت قلقا في البداية لأن مسلسلات أخرى قدّمت صورة كاريكاتورية عن اليهود. لكن المسلسل يعكس شخصيات حقيقية، بعيداً عن الكليشيهات”. ◙ المسلسل أثار جدلا حادا في وسائل الإعلام التركية وعلى الإنترنت حول الحاجة إلى مواجهة التاريخ ◙ المسلسل أثار جدلا حادا في وسائل الإعلام التركية وعلى الإنترنت حول الحاجة إلى مواجهة التاريخ غير أن كيلاووز تؤكد أنه رغم التقدم على الشاشة الصغيرة، لا يزال يتعين القيام بالمزيد من أجل أن يشعر يهود تركيا بالمساواة. وتقول “هناك معتقد شائع بشأن ترحيب الإمبراطورية العثمانية باليهود الذين طُردوا من إسبانيا في القرن الخامس عشر”. وتضيف “هذا الأمر يُستخدم لوصم أيّ شخص يطلب المساواة في الحقوق بأنه جاحد”. ورغم أن القانون ينص على التساوي بين الجميع في تركيا، فإن الأقليات غير المسلمة تواجه في الواقع عقبات كبيرة، من الحصول على وظائف حكومية إلى فتح أو إصلاح الكنائس أو المعابد اليهودية. ومن النادر أيضا وجود شخصية بارزة من الأقليات في الحكومة أو في مؤسسات الدولة حيث لا تزال الهيمنة للمسلمين الأتراك السنة. ويرى ألتاراس أن المسلسل الذي من المقرر أن يعود بموسم ثالث، يُظهر للمجتمع التركي أن اليهود جزء من “قصة هذا البلد”. ويقول “كنا نعرف ذلك أصلا، لكن من الجيّد أن يدرك الأتراك ذلك أيضا”.
مشاركة :