بقلم: حماد القشانين في الرياض ركبت مع شاب عرف بنفسه أنه معلم بالمرحلة الثانوية، وكاتب بإحدى الصحف الورقية، ويفخر أنه «كابتن أوبر»، وكان نقاشنا عن عزوف الشباب سابقا، عن تلك المهنة التي كانت سببا في خروج ملايين الدولارات سنويا من اقتصادنا، إلى دول شرق آسيا فقط، من سائقي التاكسي الذين كانوا يسيطرون عليها، بسبب أن الشاب السعودي حتى لو كان «على الحديدة» يجد حرجا أن يقال عنه «كداد». كان تبريره، أن المهنة أصبحت «مودرن»، فـ«الكداد» سابقا رث الهندام، أسلوبه استفزازي لجلب الزبون و…الخ من السلبيات التي قد تصل إلى وصف تلك المهنة بـ«متعاطي المخدرات». بينما الآن أصبح كل شيء إلكترونيا، من الطلب، إلى إمكانية التقييم حتى على رائحة المركبة ومدى لباقة الكابتن، ما ألغى السمعة السيئة عن المهنة، وتحولت إلى أكثر المهن إقبالا عليها من الشباب السعودي في الأعوام الأخيرة. يذكرني هذا المثال بتغريدة لوزارة الصحة تنفي خرافات حول الأدوية النفسية، وقالت «إن الصحيح أن الأدوية النفسية لا تسبب الإدمان، ولا يتطلب تعاطيها مدى الحياة، وليس المرض النفسي دليل بُعد المريض عن الله… الخ) من الأفكار اليومية التي نسمعها من العامة. وحينما تغرد الوزارة هكذا، فهذا دليل على حجم المشكلة في الثقافة المجتمعية، إذ إنه وفي المسح الوطني للأمراض النفسية، كان هناك 83% من المصابين لا يتلقون علاجا، وبهذا فهم يؤثرون في بقية المجتمع، وحينها تصدق تغريدة طبيب نفسي حينما قال، «لا يأتينا المرضى النفسيون بل ضحاياهم»، فحينما تتعرض مراهقة لنوبة اكتئاب ويتم إرسالها إلى مريض نفسي يدعي أنه راق شرعي، يبدأ بتلويث أفكار الفتاة التي ما زالت في آخر الطفولة، بتأثير الجن والسحر ويحولها إلى مريض نفسي آخر، رغم أنه كان في الإمكان تلقيها علاجا مجانيا يعيدها لطبيعتها في أشهر قليلة، وتعود لحياتها المشرقة، بدلا من إبقائها طيلة حياتها أسيرة الأوهام، فقط بسبب نقص الثقافة. أما سبب عزوف هذا العدد الكبير عن العلاج، من وجهة نظري فهو دليل أن وزارة الصحة تتعامل مع المستشفيات النفسية بثقافة «الكداد» أعلاه، وإلا فكيف سيذهب شخص سليم يعاني فقط اضطراباً نفسياً مؤقتاً، ويحتاج إلى أن يعامل بنوع من «المودرن» ليتفاجأ أنه أدخل إلى مستشفى أشبه بسجن، يتقاسمه مع المدمنين، بينما كان بالإمكان فتح عيادات نفسية بتصميم راق في المولات والمجمعات الكبيرة، ومن هنا ستتغير الصورة النمطية عن سوداوية الطب النفسي، كما تغيرت الصورة النمطية عن «الكداد» وأصبح «كابتن أوبر أو كريم أو… الخ». أتذكر أنني أقابل طبيباً نفسياً أجنبياً، يصرف مرتبه الشهري البالغ 28 ألف ريال، ناهيك عن بدل السكن السنوي المقارب لـ60 ألف ريال، ورغم أنه يكلف وزارة الصحة نصف مليون سنوياً، إلا أنه يعمل في عيادة بمستشفى حكومي تخدم مريضاً أو مريضين في الأسبوع، وبقية الأيام «يهش الذبان» حتى أغلقت.. فهل هذا دليل نقص الحالات النفسية في تلك المنطقة، أم دليل على إلحاق الوزارة للطب النفسي بثقافة «الكداد»، فهل لوزارة الصحة أن ترينا علاقة (ما بين كابتن أوبر والطب النفسي). كاتب سعودي نقلاً عن صحيفة الوطن الوسوم الطب النفسي حماد القشانين كابتن أوبر مقالات
مشاركة :