بعد توقف لدورة واحدة بسبب انتشار كوفيد – 19 عادت إدارة المسرح التابعة لدائرة الثقافة في الشارقة إلى تنظيم أيام الشارقة المسرحية، لتكون هذه الدورة بمثابة عودة الروح الثقافية، باعتبار أن هذه الأيام تجمع جنبا إلى جنب العروض المسرحية المحلية. وقال الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة في كلمته الافتتاحية للأيام “نحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة”، من هذا المنطلق كان لا بد من عودة الأيام وربما عودة غيرها من التظاهرات الثقافية وخاصة المسرحية لاحقا، كل ذلك بطبيعة الحال مع تطبيق الإجراءات الاحترازية المناسبة التي تضمن سلامة الضيوف وأهل المدينة. سلطان القاسمي: نحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة وبدأت عروض مسابقة أيام الشارقة بعرض مبشر جدا، وهو من تأليف الكاتب الإماراتي علي جمال وإخراج مواطنه عبدالرحمن الملا، بعنوان “سجن القردان”، وأرى أنه عرض مبشر لأننا شاهدنا فيه عملا احترافيا مكتملا بأتمّ معنى الكلمة، سواء من حيث التأليف أو الإخراج أو حتى أداء الممثلين. تدور أحداث المسرحية بشكل مختصر حول سجن قد خلا من نزلائه، ولأن إدارة السجن خشيت أن تطرد من عملها، باعتبار أن وجود المساجين هو الدليل القاطع على وجود القانون بحسب النص، بات شغلها الشاغل هو البحث عن سجناء لسد الفراغ، وأي سجناء هؤلاء الذين ستتفاوض معهم؟ إنهم شحاذون وفقراء سيقبلون بلعب دور السجناء وبكل شيء مقابل ثلاث وجبات طعام وثياب نظيفة ومكان للنوم لا أكثر من ذلك. وسيجتهد هؤلاء للبقاء في السجن، ولأن السجّان لم يجد لهم التهمة المناسبة ليبرر سجنهم أمام الوالي سيتحولون تدريجيا من محكومين إلى حكّام لهم كلمتهم، وسيفكر آمر السجن في قتلهم للتخلص منهم، لكنه سيخطئ؛ إذ سيضع لهم بدل السم في الطعام مادة تصيبهم بالسعادة والضحك، ليصبحوا حقيقة في سجن الراحة أو سجن القردان. صحيح أن النص الذي كتبه علي جمال بلهجة عربية فصحى بسيطة وسهلة لم يتطرق إلى موضوع جديد، لكن طريقته في معالجة الفكرة قدمت بأسلوب جديد أكثر رشاقة وحيوية، وجاء الإخراج ليكمل النص المكتوب، وليظهر العرض محملا بالكثير من الفانتازيا بدلا من أن يكتفي بكونه كوميديا سوداء، وقد ساعد على ذلك اختيار المخرج لممثلين على درجة عالية من الليونة في الأداء على الرغم من اختلاف كتلهم الجسدية على الخشبة، وربما يكون هذا الاختلاف إحدى أهم نقاط القوة في العرض الذي يحمل الكثير من الأداء الكوميدي. والملاحظ أن قلة من المخرجين لديهم حس المغامرة وربما الذكاء للاعتماد على نوعية كهذه من الممثلين القادرين على أداء أدوارهم بكل هذه الخفة وبشكل يفاجئ حتى الجمهور. وللمرة الأولى أجدني مجبرة على ألا أتوقف عند العرض فقط كنص مسرحي ومضمون، بل أتجاوز ذلك لأدخل في الشكل أي الإخراج الذي عبر عن ذلك المضمون وجعله من لحم ودم. ◙ عبدالرحمن الملا حاول إيجاد معادلات بصرية للنص المكتوب دون أن يحمّله إضافات مجانية يمكن الاستغناء عنها حاول المخرج عبدالرحمن الملا، وهو ممثل ومخرج سبق وأن أخرج للمسرح العديد من النصوص المسرحية، إيجاد معادلات بصرية للنص المكتوب دون أن يحمّله إضافات مجانية يمكن الاستغناء عنها، فاستخدم على سبيل المثال سينوغرافيا غاية في البساطة، بداية من الملابس التي كانت شبه موحدة سواء للسجناء أو للسجانين، كما أنه لم يركز كثيرا على الإضاءة لإظهار ملامح وجوه الشخصيات على الخشبة حيث لا أهمية تذكر لمكياج الشخصيات، فأداء الممثلين كان مرسوما وموجها لتلبية غرض كاريكاتيري هزلي. أما على صعيد الديكور فكان بسيطا أيضا حيث اكتفى المخرج باستخدام إطارات معدنية خفيفة الوزن وسهلة الحركة وبمقاسات مختلفة، وهذا النوع من الإطارات عادة ما يستفاد منه أثناء العرض لتشكيل أو لتركيب فضاء ما أو للإيحاء به، وهو أسلوب في الديكور على بساطته قد يفشل إذا تم استخدامه بشكل مبالغ فيه، لكنه مفيد جدا لأي عرض في حال استطاع المخرج استثماره وهو ما حصل في العرض، حيث رأيناه تارة تابوتا وتارة أخرى سجنا وتارة ثالثة مدخلا وممرا، وغير ذلك. كما استعان المخرج بالموسيقى الحية لعازفين وضعهم على خشبة المسرح وجعل الجمهور في غفلة منه يراهم ليتحولوا في اللاوعي إلى جزء من العرض. ربما أراد المخرج بذلك الإشارة إلى أن هؤلاء العازفين بدورهم هم اليوم سجناء أيضا، وكان موفقا جدا ليس فقط في مسألة إدماجهم في العرض والإضاءة عليهم بل أيضا في فكرة استخدام الإيقاعات الموسيقية التي أتت كجزء أصيل من العرض وليس دخيلا عليه، رغم أنها استمرت لفترة زمنية من العرض. وهنا لا بد لي في هذه العجالة أن أتوقف عند أداء الممثلين وأن أنوه بهم بالاسم، عادل سبيت وعيسى مراد وجمال السميطي وراشد النقبي وصالح الجداع وعلي دردير إلى جانب كل من عبير الجسمي وسلوى أحمد، لأن وجودهم على الخشبة لم يكن فقط ليشكل حضورا ماديا يحمل أداءً متميزا، بل أيضا لتمكنهم من حمل تلك اللغة الغربية التي كتب بها النص ونطقهم لها بحروف صوتية واضحة لا لبس فيها إلى درجة أن المشاهد لن تفوته كلمة من العرض مهما كانت جنسيته العربية، وأكاد أجزم أن عرض “سجن القردان” قد نجح بتلك الطريقة لتضافر عناصره الثلاثة الرئيسية النص والإخراج والممثلين. الجدير بالذكر أن أيام الشارقة مستمرة حتى تاريخ الخامس والعشرين من مارس الجاري، وستشارك في المسابقة الرسمية سبعة عروض مسرحية، بالإضافة الى أربعة عروض ستقدم خارج المسابقة.
مشاركة :