«لامع بلا ألوان».. في انتظار ما لا يأتي

  • 3/22/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لعل النتيجة الأبرز الذي خرجت بها مسرحية «لامع بلا ألوان»، ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة الـ 31 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، هي ولادة موهبة مسرحية متفجرة بالطاقة الأدائية، وبالقدرة المذهلة على مواكبة التمثيل الاحترافي في أصعب الحالات الدرامية وأكثرها تعقيدا، ونقصد بهذه الموهبة الفنان الشاب محمد جمعة، والذي حمل على عاتقه الثقل الأدائي الأكبر في العرض، واستحوذ على المساحة الأوسع في الفضاء الدلالي للنص وللرؤية الإخراجية معاً. ينتمي محمد جمعة لأسرة فنية كان لها تأثير واضح على وعيه الإبداعي المبكّر، وإدراكه الفني اليانع، فوالده هو الممثل القدير جمعة علي، صاحب الأدوار اللافتة والمميزة في المسرح والدراما التلفزيونية بالإمارات، ويتسلّح الفنان الشاب أيضاً بعدّة أكاديمية وازنة من خلال تخصصه في دراسة فن المسرح بجانبيه النظريّ والتطبيقيّ، وهي دراسة معزّزة كما يبدو بالشغف الشخصي، والانحياز الكامل لسحر الخشبة وتجلّياتها. «لامع بلا ألوان» من إنتاج فرقة المسرح الحديث بالشارقة، وعرضت بمعهد الشارقة المسرحي في ثالث أيام المهرجان، وهي من تأليف الكاتب الكويتي سامي بلال، ومن إخراج الفنان الإماراتي إبراهيم سالم، الذي اختار هذه المرة نصّا مركّبا، يحتضن أبعاداً وتضمينات وشيفرات متقاطعة مع قضية العزلة القسرية للمبدع، ومتشابكة أيضاً مع قضايا إنسانية واجتماعية تمسّ إشكالات كبرى مثل التهميش، والحيرة الوجودية، والعبث المسيطر على الذات الداخلية من جهة، وعلى المواضيع الخارجية من جهة أخرى. يتناول العرض الحالة المربكة التي يعيشها مخرج مسرحي متقاعد، يدعى «الدكتور لامع» – يقوم بدوره الفنان الواعد محمد جمعة - الذي يحتشد اسمه بالتناقض الدلالي، لأن كل ما حوله منطفئ وذابل ومتآكل، خصوصا وأن طاقة «الأمل» التي يراهن عليها، لم تعد مشعّة ومتوهجة كما كان عليه الحال في السابق، بل الأقسى من ذلك هو ما بات يعانيه بعد تقاعده من تندرّ ونكران وإقصاء، من قبل المسرحيين الجدد ذوي الاتجاهات المادية والربحية، والتي لا تعير الفن الأصيل والرصين أي اهتمام. وكل التوصيفات والتلميحات لا تشفع له، فالمكالمة التي ينتظرها لتعيد له مجده الفني، طال أمدها، وصار الزمن المرتقب لحصولها هو الزمن العبثي بامتياز، زمن تتداخل فيه الوقائع بالهلاوس، وتتحول فيه الذاكرة الحية واليانعة في وقت سابق، إلى ذاكرة مترهلة تعيد إنتاج نفسها في المكان الخطأ وفي الظرف الصعب، خصوصا وأن كل المحيطين به باتوا أشبه بمصّاصي الدماء الطامعين في القليل المتبقي لديه من معاشه التقاعديّ، خصوصا أبناءه المنقطعين عنه والراغبين فقط في المساعدة المادية، إضافة إلى أن المحيطين به باتوا يمطرونه بتعليقات ساخرة ومرّة جارحة، ولعل من أكثر هذه التعليقات إيلاماً ووجعاً، قولهم «إنك تعيش في الساعة المتأخرة من الحياة»، تعليق يتردد صداه كلما فشلت محاولاته في مغادرة كرسيه المهترئ من طول الجلوس والقلق والتوجّس، في انتظار ما لا يأتي، ولن يأتي، فهو هنا في قلب الدوامة الوجودية المنهكة، يتأمل في خرائب وضعه، ويتهشّم تحت ركام هائل من الفوضى واللاجدوى. استطاع مخرج العرض إبراهيم سالم أن يقتنص اللحظة العبثية والمأساوية التي تعيشها الشخصية الرئيسية بأدوات تعبيرية مناسبة وقارئة بدقة لمناخات النص وتشعباته، وكان يدير زوايا الديكور بمنصة عرض مسرحي متحرك، ظلت تملأ البيئة البصرية للخشبة، بينما جاءت الفراغات الجانبية للخشبة لتفسح مجالاً مهماً لتبادل المواقع الافتراضية والأخرى الملموسة بين الذاكرة والزمن، وبين الوهم والحقيقة. كما تميّز العرض بالإضاءة القارئة لمستويات الحبكة وانعطافاتها، والتي صممها الفنان محمد جمال، الذي يقدم نسيجاً متفرداً من «البلاغة المضيئة»، المتوائمة مع روح النص، وجمالية الإخراج، أما منفذ الصوت رضا محمد، فقدّم إضافة مهمة للعرض من خلال اعتنائه بتصدير الإيقاع الذاتي للشخصية الرئيسية في العرض.

مشاركة :