أضرارٌ جانبية ومنافعُ جانبية

  • 3/23/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مصطلح «أضرارٌ جانبية (Collateral Damage)» ذو صلة بالحرب. ويعني الوفيات والإصابات غير المقصودة لأشخاص ليسوا جنوداً، والأضرار التي لحقت بمنازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم. وهو مصطلح تعودنا على سماعه وقراءته في التقارير الإعلامية خلال الفترات التي تُنشب فيها حروب. وخلال الحرب الحالية في أوكرانيا، مع تكرر المصطلح في الأخبار، تبين لي أنه لا وجود لمصطلح معاكس له؛ بمعنى أنه إذا وُجِدَ متضررون من هذه الحرب بشكل غير مقصود، فمن المنطق أن يكون هناك مستفيدون منها أيضاً وبشكل غير مقصود. وعدم وجود مصطلح متعارف عليه يجعلنا نلجأ إلى محاولة نحت مصطلح جديد نطلق عليه «منافع جانبية»، ومن الممكن أن يكون باللغة الإنجليزية «Collateral Benefits»؛ يعني منافع جانبية لصالح أشخاص أو حكومات ليسوا متورطين مباشرة في حرب. الأضرار والمنافع الجانبية في الحرب الأوكرانية، في هذه السطور، نعني بها أنها ليست حكراً على من كانوا قرب ميادين المعارك جغرافياً؛ بل تطال آخرين بعيدين. ولتقريب المعنى للأذهان، يمكن القول، على سبيل المثال، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون يتموضعان داخل فئة المستفيدين جانبياً؛ فالأول شهدت أسهمه الانتخابية صعوداً لافتاً وسريعاً؛ في نتيجة مباشرة لما قام ويقوم به من تحركات سياسية في الحرب بهدف إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقفها، ووضعته في موضع متقدم على منافسيه في الانتخابات الرئاسية المقرر عقد الجولة الأولى منها في شهر أبريل (نيسان) المقبل. استبيانات الرأي العام الفرنسي مؤخراً تؤكد ذلك، وتشير إلى إمكانية فوزه بسهولة، وتأهله للجولة الثانية الأخيرة، رغم أن أحداث الشغب الأخيرة في جزيرة كورسيكا وما صاحبتها من تنازلات من جانبه بإمكانية منح الإقليم حُكماً ذاتياً، أعطى منافسيه فرصة للعودة إلى السباق نحو «قصر الإليزيه». وحول ما يتعلق برئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون؛ فإن الحرب خدمته بشكل غير متوقع، ومدت له فجأة حبل نجاة ثميناً أنقذه من الغرق سياسياً؛ لأنه كان مهدداً بمغادرة المسرح السياسي نتيجة تورطه في الفضيحة التي أطلقت عليها وسائل الإعلام البريطانية اسم «بارتي غيت (Party Gate)»، وربما لذلك السبب يستحق أن يطلَق عليه لقب «رئيس الوزراء المحظوظ جداً». ذلك الحظ السعيد، من دون شك، سيكون مثار سخط كبير من منافسيه على زعامة «حزب المحافظين» والحكومة. وبالتأكيد؛ فإن السيد جونسون كان، قبل الحرب، على علم بالمصير الذي ينتظره. لذلك السبب استغل الفرصة التي أقبلت نحوه آتية من أوكرانيا محمولة على بساط ريح، ومستقرة على مائدة من ذهب، وقبض عليها بيديه وبأسنانه كي لا تفلت. وفي سياق الاستفادة الجانبية نفسه، يمكن القول إن الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز تقع أيضاً في هذه الخانة. ذلك أن القرار الأنغلو - أميركي بوقف استيراد النفط والغاز الروسيَّين، جاء مفاجئاً وسريعاً وخارج دائرة التوقعات، ودفع عالياً بأسعار النفط والغاز إلى درجة لم تعرفها منذ سنوات طويلة. هذا التغير في الأسعار لصالح المنتجين والمصدرين جاء في وقت كان فيه معظم تلك الدول في حاجة إليه، ليكون بمثابة تعويض مستحق عن خسائرها خلال مرحلة الوباء الفيروسي، وما سببته من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي، تسببت في إصابته بحالة من شلل قاربت ثلاثة أعوام. من جهة أخرى، وفي سياق آخر، يمكن حسبان ليبيا ضحية سياسية أخرى للحرب الأوكرانية، في خانة مصطلح «أضرار جانبية». وتوضيح ذلك أن الحرب قد تمكنت من الاستحواذ على أجندة العالم السياسية والعسكرية، وصارت بؤرة الاهتمام، وأول البنود وأهمها في تلك الأجندة. وهذا بدوره أفضى إلى أن العيون استدارت سريعاً باتجاه هذه الحرب بأهداف وأغراض متباينة، محولة أنظارها عن غيرها من القضايا الإقليمية؛ ومن ضمنها قضية تفاقم أزمة الصراع على السلطة في ليبيا. في الفترة الأخيرة، عادت الأوضاع السياسية في ليبيا خطوات إلى الوراء، مقارنة بما حققته من تقدم في فترة ما بعد حرب العاصمة. وها نحن، مجدداً، نتابع انبثاق حلقات مسلسل عودة حكومتين مرة أخرى إلى الواجهة، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات غير إيجابية.

مشاركة :