سقى الله زماناً كنا نتسابق لمدارسنا ركضاً على اقدامنا، دون اعتبار لأي ظرف مناخي، كانت اعمارنا صغيرة وابداننا غضة، ولكن الخشونة والصبر كانا يستوطنان ذواتنا، فلا أتذكر حابسا حبسني عن المدرسة إلا المرض، وليس أي مرض فالإنفلونزا والتعب النفسي، لا يمكن أن تكون عذرا سميناً ومقنعا للغياب عند آبائنا ولا مقبولا عند المدرسة، فما بالك بما هو ادنى منه، فالمطر لم يكن عائقا ولا مخيفا لنا، ولا محل حذر وقلق سواء لأهالينا أو المدرسة، فكم مشينا للمدرسة ولم نكن نعرف معنى فساد البنية التحتية، ولا نأبه بكل المنخفضات الجوية، فزخات المطر تنهمر فوق رؤوسنا وضربات البَرَد ترتد من جماجمنا، ونواجه بصدورنا الاعاصير والرياح الباردة، وأقدامنا تغوص في الوحل، كان هذا الوضع ممارسة طبيعية موسمية، فالأجواء المطرية كانت مصدر فرح واستئناس وجزءا من تكوين سعادتنا، فمبدأ تعليق الدراسة لسبب هطول الأمطار أمر مستبعد وشيء من ضرب الخيال، هكذا (جيل الطيبين) حياتهم التعليمية اكتنفتها الشدة والحزم والقساوة هي سيدة الموقف، ابتداء من البيت مرورا بمدير المدرسة وانتهاء بمدير التعليم، فلن تجد من يتعاطف معك في أمور المدرسة حضورا والتزاما ومواظبةً. عموماً هذه المقدمة ليست محل مقارنة بين جيلين مختلفين في الظروف زمانيا ومكانيا وماديا، ولكنها مجرد استدعاء لذكريات الزمن الجميل، سردت بعضها وأنا أراقب في الآونة الأخيرة التعليق الكثير والمتكرر للدارسة مع كل غيمة ترعد وتبرق، والخوف أن تصبح ثقافة مطرية مجتمعية مستديمة، نُنَميها في ذهنية الصغار وحتى الكبار، فيرتبط المطر بتعليق الدراسة، وهذا ملاحظ الآن فمع كل مطرة يترقب أبناؤنا خبر تعليق الدراسة، وما أن يعلن التعليق من أجل درء الخطر عنهم، إلا وتجد بهجة وفرحة لا يشابهها فرحة، ثم ينطلق الشعب المدرسي مباشرة للشوارع، وأماكن النزهة ومواقع الخطر الحقيقي في الأودية والشعاب، فهل تحقق هدف تعليق الدراسة؟ هذا مؤشر مخيف وله أثر سلبي مستقبلاً، والسؤال ونحن نرى فرحة ابنائنا وانشراحهم عند اعلان التعليق، ما دافع ابتهاجهم وسعادتهم بغيابهم عن مدرستهم؟، وما سر بكاء أقرانهم في دول امريكا وأروبا عند تعليق دراستهم؟ هل البيئة المدرسية جاذبة هناك وطاردة هنا؟، هل الرابط العاطفي متوافر هناك ومفقود هنا؟ هذه الأسئلة الملحة جوابها عند وزارة التعليم، والتفاعل معها سينتج جيلا يتحسر على فقدان يوم دراسي حتى بوجود مشاكل البنية التحتية!! الحقيقة نُثمن حرص القائمين على القطاع التعليمي واتخاذهم الإجراءات الاحترازية، عند وجود خطر يهدد سلامة أبنائنا، ولكن تعليق الدراسة يجب أن يكون مقنناً وله ضوابط محددة، فهو ينعكس سلباً على سير العملية التعليمية، فالمعلمون يتضجرون من تأخر المناهج وتراكمها، ويعيشون تحت ضغط التعويض ويطالبون بيوم بديل، وحتى تتجنب الوزارة هذه الإشكالية، هناك خلاصة دراسة رسمية أجراها فريق من تعليم الباحة والدفاع المدني وهيئة الأرصاد، حددت فيها الظروف الجوية الحتمية لتعليق الدراسة، وطُبقت توصياتها على تعليم الباحة، وهي صالحة لنجعل منها قاعدة نموذجية ومنطلقا لأي تعليق لاحقا، حيث حُصر الخطر بوجود رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار تنعدم الرؤية لمسافة أقل من 500 متر، أو رياح وأعاصير تبلغ سرعتها 70كم في الساعة، أو وجود سحب ركامية وظواهر جوية غير عادية، كالأمطار الغزيرة المصحوبة برياح شديدة وسقوط البرد بكميات كبيرة، والانخفاض الحاد لدرجات الحرارة، وأُضيف لها الظروف الأمنية كالوضع بمدن الحد الجنوبي، هذه الدراسة جديرة أن تتبنى ضوابطها وزارة التعليم وتعممها لإداراتها، وهنا يكون التعليق مبررا وضرورة حتمية، سيحظى بالقبول والرضا ودعم الجميع!!
مشاركة :