قانون صلح جزائي في تونس لإنعاش الاقتصاد المتعثّر

  • 3/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثارت معادلة العفو عن رجال الأعمال الذين أخذوا قروضا من الدولة دون سدادها، ويوصفون بأنهم متهمين في قضايا فساد، مقابل بعث مشاريع استثمارية وتنموية في مختلف جهات البلاد، جدلا بشأن مدى تحقيق هذه الخطوة، فضلا عن الآليات الممكنة لتنفيذها، وسط تساؤلات الخبراء والمراقبين عن إمكانية إيجاد صيغة نهائية للمسألة بما يضمن دفع المنوال التنموي المتردي في البلاد. وأصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوما يعرض فيه على "رجال أعمال متورطين في قضايا فساد" العفو مقابل الاستثمار في مشاريع حكومية، وجاء ذلك بهدف استرجاع حوالي خمسة مليارات دولار. ويعني القانون أن يتم إسقاط القضايا محل النظر أمام المحاكم في مقابل أن يعمل رجال الأعمال المتورطون في قضايا فساد على الاستثمار في مشاريع تنموية، كطريقة غير مباشرة لتسديد الأموال التي حصلوا عليها بشكل غير قانوني. وسيعيّن قيس سعيّد لجنة تتكون من قضاة للنظر في إمكانية العفو عن رجال الأعمال مقابل قيامهم بتنفيذ مشاريع تنموية في المناطق الفقيرة. ويمثل المقترح أحد الحلول التي يسعى من خلالها الرئيس التونسي إلى خلق فرص عمل للعاطلين وتنمية المناطق الأكثر فقرا في البلاد. حاتم العشي: مشكلة بخصوص من سيذهبون للجهات الفقيرة للاستثمار وقال الرئيس التونسي في خطاب سابق إن “هذه الأموال تقدّر بحوالي 13.5 مليار دينار (5 مليارات دولار)”، داعيًا 460 رجل أعمال إلى الانخراط في الصلح الجزائي. وأثار قانون الصلح الجزائي تساؤلات حول فرص نجاحه في المساهمة في إنقاذ اقتصاد البلاد المتعثر. وأفاد الوزير السابق حاتم العشي، في تصريح لـ”العرب”، بأن “الأمور مازالت غامضة والمرسوم غير واضح، رجال الأعمال أصبحوا مخيّرين بين دفع ديونهم للدولة أو إنجاز مشاريع (مدرسة، مستشفى.. إلخ) في جهات معينة”. وأضاف “هناك مشكلة بخصوص من سيذهبون إلى الجهات الفقيرة للاستثمار فيها عبر إنجاز المشاريع؛ ذلك أنهم سيظهرون كرجال أعمال متهمين بالفساد باعتبار ارتفاع ديونهم لدى الدولة، وهذا ما سيؤثر سلبا على صورتهم لدى الرأي العام”. وتابع حاتم العشي “لا أعتقد أن يرضى رجال الأعمال بإنجاز المشاريع، وفكرة تمكين المشمول بالصلح الجزائي من إنجاز مشروع ولدت ميتة”، لافتا إلى أن “هذا المرسوم يرتقي إلى مرتبة قانون أساسي وليس من القوانين العادية، وكان من المستحب أن ننتظر إجراء الانتخابات التشريعية يوم السابع عشر من ديسمبر سنة 2022 لعرضه على مجلس النواب الجديد لمناقشته والمداولة في شأنه ثم المصادقة عليه كقانون أساسي، لأن هذا المرسوم وبهذه الصيغة ستكون الكثير من فصوله غير قابلة للتطبيق على المستوى الواقعي رغم حسن نية المشرع في تحقيق التنمية بالجهات”. وقالت الجريدة الرسمية إن الرئيس سعيّد أصدر مرسوما الإثنين يعرض العفو عن رجال أعمال متورطين في قضايا فساد إذا استثمروا في مشاريع حكومية. لكن من بين رجال الأعمال المتهمين من غادر البلاد ومن توفي ومن مثُل أمام القضاء وتمت تبرئته، وغيرها من الحالات. ويرى مراقبون أنه كان على الحكومة تحديد أولوياتها في مشاريع الاستثمار والتنمية، واسترجاع تلك الأموال ووضعها في الميزانية، دون اللجوء إلى قانون صلح جزائي. وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “من الناحية الشكلية كان من الممكن عدم ربط مسار الصلح الجزائي بمسار الاستثمار الذي يعتبر من مشمولات الدولة، والدولة تمتلك قانون المالية ويمكن أن تعلن قانون صلح جزائي”. وأضاف المليكي، في تصريح لـ”العرب”، “الدولة تملك موارد للاستثمار والتنمية ويمكن أن تضعها في الميزانية، وكان من الأفضل الإبقاء على الوسائل القديمة في التقاضي دون اللجوء إلى صلح جزائي، ولا بدّ أن تتعهد الهيئة الجديدة بالنظر في وضعيات رجال الأعمال وحل مشكلة الديون مع الدولة”. واستطرد المليكي “نأمل ألا تحدث تجاوزات مع توفير محاكمة عادلة لهم، كما أن القانون يمكن أن يعطي موارد للدولة بشرط ألا يحيد على المسار”. وتعاني تونس من أسوأ أزماتها المالية على الإطلاق، والتي تفاقمت بسبب الفشل في دفع عجلة التنمية ما أرغم البلاد على الاعتماد على الاقتراض، لكن الآن عليها القيام بمفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات كافية. حاتم المليكي: كان من الممكن عدم ربط مسار الصلح بمسار الاستثمار وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية التونسية إلى مرتبة عالية المخاطر يوم الجمعة، قائلة إنها تعتقد أن الحكومة ستتخلف عن سداد قروض. وعلى الرغم من استئناف الحكومة للجهود التي كانت تبذلها الإدارة السابقة لتأمين حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، فإن الرئيس سعيد لم يكشف بشكل واضح عن أي سياسة اقتصادية واضحة المعالم. وحذر “بنك مورغان ستانلي” الاستثماري الأميركي من أن تونس تتجه نحو تخلف عن سداد ديونها إذا استمر التدهور الحالي في ماليتها العامة. وقال البنك “في سيناريو يستمر فيه المعدل الحالي لتدهور المالية العامة، من المحتمل أن تونس ستتخلف عن سداد ديونها”، مضيفاً أن “من المُرجَّح أن يحدث ذلك العام المقبل ما لم تتوصل البلاد سريعا إلى (اتفاق على) برنامج مع صندوق النقد الدولي وتجري تخفيضات كبيرة في الإنفاق”. ويركز الرئيس التونسي على مكافحة الفساد والمضاربين في السوق، ووعد باسترداد الأموال التي يقول إنها سُلبت من الدولة. ووفقا لنص المرسوم الأول سيعين قيس سعيّد لجنة مصالحة تتألف من قضاة للنظر في منح عفو لرجال الأعمال مقابل قيامهم بتنفيذ مشاريع تنموية في المناطق الفقيرة. واتهم تقرير أصدرته لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة بعد ثورة يناير 2011، 460 رجل أعمال بالتورط في الفساد وفي نهب الأموال. ويركز الرئيس سعيد، وهو أستاذ قانون دستوري متقاعد وصل إلى دفة الرئاسة كمستقل في 2019، على حملة لمكافحة الفساد وتطهير الإدارة التونسية من الاختراق الحزبي بعد تمكن الأحزاب، وفي مقدمتها حركة النهضة، من ترسيخ نفوذ لها منذ 2011 تاريخ سقوط الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إثر انتفاضة شعبية.

مشاركة :