إذا كانت مصر قد فاجأت أسواق المال خلال اليومين الماضيين بخفض لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار وزيادة سعر الفائدة الرئيسية بمقدار 100 نقطة أساس، على خلفية التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية على أوكرانيا، فإنها لن تكون الوحيدة في الشرق الأوسط التي ستضطر لخفض قيمة عملتها المحلية، بحسب محللي وكالة «بلومبيرغ» للأنباء. وبحسب التحليل الذي كتبه المحللان الاقتصاديان زياد داوود وبوينغوتلو غيزالاهو فإن العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه خطر خفض قيمة عملاتها نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن حرب أوكرانيا، وما أدت إليه من ارتفاع كبير في أسعار النفط الخام والعديد من السلع الأساسية في الأسواق العالمية، وتدهور احتياطيات النقد الأجنبي لدى هذه الدول. وبحسب تحليل «بلومبيرغ» فإن الدول المستوردة للنفط مثل لبنان ومصر وتونس تواجه خسائر كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار السلع. واضطرت مصر بالفعل لخفض قيمة عملتها المحلية بنسبة 15% مع زيادة الفائدة في اجتماع طارئ للجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري يوم 21 مارس الحالي. وإذا كانت مصر قد سبقت الدول الأخرى في التحرك لتخفيض قيمة العملة، وزيادة الفائدة، فمن المنتظر أن تكون تونس ولبنان التاليتين في اتخاذ خطوات مماثلة وربما بدرجات أكبر. فلبنان على سبيل المثال سجل تضخماً بمعدل 215% خلال فبراير الماضي، في ظل أزمة مالية طاحنة، كما أن مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني خفض تصنيف الديون السيادية لتونس إلى درجة «عالي الخطورة» يوم 18 مارس الحالي. دول الخليج في المقابل هناك دول شرق أوسطية تجني مكاسب كبيرة من تداعيات الحرب الأوكرانية وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، والتي تشهد تدفقات نقدية هائلة نتيجة ارتفاع أسعار النفط. ومن المتوقع أن تساعد هذه الإيرادات في التغلب على آثار ارتفاع أسعار واردات تلك الدول من السلع الأخرى. وفي سلطنة عمان، قال السلطان هيثم بن طارق اليوم «سنسعى لاستغلال ارتفاع إيرادات النفط بأكبر قدر ممكن للتخلص من الدين العام للبلاد.. وما سيتبقى سيتم إنفاقه على المشروعات التنموية». وأشارت وكالة «بلومبيرغ» للأنباء إلى ارتفاع أسعار النفط نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وهو ما أدى إلى زيادة كبيرة في إيرادات الدول النفطية بالشرق الأوسط، وزيادة احتمالات تحقيق فوائض كبيرة في ميزانياتها، حتى للدول ذات أضعف أداء اقتصادي، إذا استمرت أسعار النفط المرتفعة. وكانت وزارة المالية العمانية قد ذكرت في يناير الماضي أنها تتوقع وصول عجز ميزانية العام الحالي إلى 3.9 مليار دولار في حال وصول متوسط سعر النفط إلى 50 دولاراً للبرميل، في حين لا يقل سعر النفط حالياً عن 100 دولار للبرميل. حالات خاصة وفي العراق الغني بالثروة النفطية، مازالت الحكومة تحتاج إلى تقديم الدعم للمستهلكين الذين يعانون من ارتفاعات الأسعار. وتعتبر إيران حالة خاصة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا السياق. فالدولة منتج كبير للنفط، لكنها تخضع لعقوبات دولية تحد من قدرتها على الاستفادة من أسعار النفط المرتفعة حالياً، وإذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني مع الدول الكبرى، ستشهد إيران زيادة كبيرة في تدفقاتها المالية مع رفع العقوبات وزيادة صادراتها النفطية. في الوقت نفسه تحصل الدول الأشد عرضة للمخاطر الاقتصادية في المنطقة على مساعدات من الدول الأغنى فيها وصندوق النقد الدولي. فقد وافقت الإمارات على ضخ استثمارات في مصر بقيمة ملياري دولار، وقد تحصل مصر على دعم جديد من السعودية، في الوقت الذي بدأت فيه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، كما وقع لبنان على اتفاق مع العراق للحصول على النفط مقابل خدمات، بما يتيح تخفيف حدة أزمة نقص إمدادات الطاقة التي يعاني منها لبنان، وتأمل تونس في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي خلال أبريل المقبل. ويقول المحللان زياد داوود ووبوينغوتلو غيزالاهو إنهما حددا موقف الـ 14 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خطر خفض قيمة عملاتها على أساس أربعة مقاييس هي: أولاً: كمية صادراتها من السلع والخدمات إلى كل من روسيا وأوكرانيا، اعتماداً على المعلومات الموجودة في قاعدة بيانات «إحصائيات اتجاه التجارة» التابعة لصندوق النقد الدولي. ثانياً: مدى اعتماد الدول على استيراد الوقود من الخارج، وذلك اعتماداً على قاعدة بيانات منظمة التجارة العالمية. ثالثاً: مدى الاعتماد على استيراد الغذاء من الخارج وذلك اعتماداً على قاعدة بيانات منظمة التجارة العالمية. وأخيراً احتياطيات النقد الأجنبي لتلك الدول وذلك اعتماداً على التوقعات الاقتصادية الإقليمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
مشاركة :