في تاريخ 12 مارس 1999، وقفت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت مع وزراء خارجية بولندا والمجر وجمهورية التشيك في قاعة المحاضرات بمكتبة ترومان الرئاسية في إندبندنس بولاية ميسوري، ورحبت رسميًا بهذه الدول الثلاث في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). لم يكن ذلك إلا مجرد بداية، فقد التحقت عدد من الدول - بلغاريا وإستوانيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وألبانيا وكرواتيا والجبل الأسود - وأدخلت مقدونيا الشمالية في التحالف العسكري الغربي لتضع روسيا على صفيح ساخن!. كان هذا التوسع محل انتقاد عدد من الخبراء البارزين في الشأن الروسي والعلاقات الدولية داخل واشنطن، فقد وصف عميد خبراء روسيا في أميركا جورج كينان توسع الناتو في أوروبا الوسطى بأنه "الخطأ الأكثر فداحة للسياسة الأميركية في حقبة ما بعد الحرب الباردة بأكملها"، كان كينان مهندس استراتيجية أميركا بعد الحرب العالمية الثانية لاحتواء الاتحاد السوفيتي، ويعتقد كينان - كما فعل عدد من الخبراء الأميركيين في الشأن الروسي - بأن توسيع حلف الناتو سيضر بجهود الولايات المتحدة بشكل لا يمكن إصلاحه لتحويل روسيا من عدو إلى شريك. الحكومة الأميركية - حسب رأي كنيان - في حالة هستيريا عسكرية عمياء! والمشكلة أنها لم تقنع نفسها بواقع أحلامها السيئة فحسب، بل نجحت في إقناع معظم حلفائنا، وإلى حد أن أي شخص يتحدى هذه النظرة للعالم يبدو لهم على أنه تخريبي بشكل خطير، وجهات نظرنا الخاصة بالواقع هي ببساطة غير مقبولة للحكومة في واشنطن. ويؤمن كينان ورفاقه بأن التعاون مع روسيا يعد فرصة لتقليل مخاطر الحرب النووية من خلال تفكيك الآلاف من الرؤوس النووية الروسية وتخزينها؛ لذلك أصيبوا بالفزع من توسع الناتو. وكانوا يعتقدون أن موسكو ستعتبر ضم الناتو لدول حلف وارسو السابقة إهانة مباشرة، وستتخلى عن جهودها للتعاون مع الغرب، ويخشون إضافة دول جديدة في الشرق لأن ذلك يضعف قدرتهم على معالجة المشاكل التي قد تنشأ في أوروبا وأماكن أخرى. بعد الإعلان عن ضم بولندا والمجر وجمهورية التشيك لحلف الناتو في تاريخ 12 مارس 1999 قال كينان: "نحن الآن ندير ظهورنا للأشخاص الذين قاموا بأكبر ثورة غير دموية في التاريخ لإزالة ذلك النظام السوفيتي. والديمقراطية في روسيا متقدمة مثلها مثل أي من هذه البلدان التي سجلناها للتو للدفاع عنها من روسيا. بالطبع، سيكون هناك رد فعل سيئ من روسيا، وبعد ذلك سيقول أصحاب فكرة توسيع الناتو إننا أخبرناك دائمًا أن هذا هو حال الروس، لكن هذا مجرد خطأ". كان موقف كينان من توسع حلف الناتو صريحا، وعبر عنه بكل جرأة عندما قال: "يعتبر قرار رفض إمكانية التعايش السلمي مع روسيا في نهاية الحرب الباردة أحد أفظع الجرائم في أواخر القرن العشرين، إن خطر استفزاز روسيا مفهوم عالمي مع انهيار الاتحاد السوفيتي". وقال أيضًا: "توسع الناتو خطأ استراتيجي ذو أبعاد ملحمية محتملة". وقد أصاب في هذا كبد الحقيقة، فالأزمة الأوكرانية التي يحق أن توصف بالملحمية شاهد على أن توسع الناتو لم يكن في صالح العالم أو دول حلف الناتو نفسها؛ لأن جعل روسيا تنزف يتطلب أنهارًا من الدم، والعالم اليوم بأشد الحاجة لصوت الحكمة الذي يمثله جورج كينان.
مشاركة :