الاتحاد رؤية عبقرية لزايد

  • 12/2/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء لتذكر قيام اتحاد إمارات الخير والعزة، سنجد أنه ليس حكاية عابرة في تاريخ قيام الدول، وليس قصة تروى ومن ثم تطوى، لكنه بمنزلة عبقرية تولدت من رحم فكر مستنير للمغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي سبق عصره، وقفز فوق الممكن إلى المستحيل، حيث كان قادراً على تحديد ملامح المستقبل، في ما ستكون عليه دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمخضت واقعاً مبهراً على يديه، رغم الظروف شديدة القسوة التي كانت حينذاك، وإلى جانبه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، الذي سعى مع رفيق الدرب الشيخ زايد، طيب الله ثراهما، لقيام إمارات الخير. فمنذ اللحظة الأولى لتولي المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس/آب عام 1966م، أدرك حتمية قيام الاتحاد، وضرورة التعاون مع الإمارات الأخرى، وكان موقناً، رحمه الله، بإمكانيّة تنفيذه على أسس الروابط المشتركة التي تربط بين مختلف الإمارات، والإرث التاريخي والتراثي لأبنائها الذين عاشوه معاً لقرون عدة، لذا فقد خصص، رحمه الله، جزءاً كبيراً من دخل إمارة أبوظبي من النفط لصندوق تطوير الإمارات المتصالحة قبل بداية الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية. نواة للوحدة العربية وكانت الحكومة البريطانية عانت ضغوط الظروف الاقتصادية المعاكسة، نتج عنها إنهاء المعاهدات كافة لحماية الإمارات المتصالحة عام 1968م وانسحابها من الخليج في نهاية عام 1971م، ورغم أنّ هذا القرار المفاجئ كان يهدّد بإيجاد فراغ عسكري وسياسي في المنطقة، إلاّ أنّه ساعد أيضاً على تقليل العقبات والصعوبات التي كانت عائقاً في طريق المحاولات الأولى لاتحاد الإمارات. لقد أطلق التوقّع الكبير لإنهاء العلاقة الخاصة القائمة بين بريطانيا والإمارات المتصالحة لفترة 150 عاماً، الإشارة إلى نوع ما من الترابط الذي يتسم بالطابع الرسمي الأكثر قوّةً مما كان مقدّماً من قبل مجلس الإمارات المتصالحة، ونتيجة لهذه القوى الجديدة العاملة اتّخذ كلّ من المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، رحمه الله، الخطوة الأولى نحو إنشاء الاتحاد، الذي كان يقصد به أن يكون كنواة للوحدة العربية، وحماية الساحل المتوقّع فيه ثروة النفط، من مطامع الدول المجاورة الأكثر قوة. وفي ضوء نتيجة المبادرة المتّخذة من قبل حاكمي الإمارتين الرائدتين، عقد اجتماع في الثامن عشر من فبراير/شباط 1968م في السمحة، على الحدود بين أبوظبي ودبي، ووافق كلّ من الشيخ زايد والشيخ راشد خلال ذلك اللقاء التاريخي على دمج إمارتيهما في اتحاد واحد، والمشاركة معاً في أداء الشؤون الخارجية، والدفاع، والأمن، والخدمات الاجتماعية، وتبنّي سياسة مشتركة لشؤون الهجرة، وتُركت بقية المسائل الإدارية إلى سلطة الحكومة المحلية لكلّ إمارة، وعُرفت تلك الاتفاقية المهمة باتفاقية الاتحاد، ويمكن اعتبار ذلك الاتفاق الخطوة الأولى نحو توحيد الساحل المتصالح كلّه، وزيادةً في تعزيز الاتحاد، ولشدة اهتمام الشيخ زايد والشيخ راشد بتعزيز الاتحاد وتقويته، قاما بدعوة حكّام الإمارات الخمس المتصالحة الأخرى إضافة إلى البحرين، وقطر، للمشاركة في مفاوضات تكوين الاتحاد. الهيكل الدستوري وفي الفترة ما بين 25-27 فبراير/شباط عام، 1968 عقد حكّام تلك الإمارات التسع مؤتمراً دستورياً في دبي، وبقيت تلك الاتفاقية المكوّنة من إحدى عشرة نقطةً، التي بدأت في دبي، مدة 3 سنوات كقاعدة للجهود المكثّفة لتشكيل الهيكل الدستوري والشرعي لاتحاد الإمارات العربية الذي يتكوّن من تلك الإمارات التسع الأعضاء فيه، كما تمّ خلال تلك الفترة انعقاد العديد من الاجتماعات على مستويات عدة من السلطة، والاتفاق على القضايا الرئيسية في اجتماعات المجلس الأعلى، الذي يتكوّن من حكام الإمارات التسع. كذلك أجرى نوّاب الحكّام إضافة إلى لجان أخرى مختلفة، مناقشات رسمية تتعلّق بتعيين الإداريين من تلك الإمارات، إضافة إلى مستشارين من الخارج. وفي صيف عام 1971 أصبح من الواضح أنّه لم يعد لإيران أي مطالب في البحرين، فأعلن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة استقلال الجزيرة في الرابع عشر من أغسطس/ آب عام،1971 تبعتها قطر في الأوّل من سبتمبر/ أيلول عام،1971 فعملت السلطات في تلك الإمارات السبع المتصالحة بعد ذلك، على وضع بديل لاتحاد الإمارات العربية. وجاءت الدولة وفي اجتماع عُقد في دبي في 18 يوليو/تموز عام،1971 قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، وهي: أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين الإمارات العربية المتحدة. وخرج من قاعة الاجتماع أحمد خليفة السويدي الذي كان يشغل حين ذاك وزير شؤون الرئاسة في أبوظبي، ليعلن إلى العالم في بيان تاريخي مولد الدولة الجديدة. وكان نص البيان التاريخي الذي أذاعه أحمد خليفة السويدي، ما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم -وبعونه تعالى- واستجابة لرغبة شعبنا العربي، فقد قررنا نحن حكام إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، إقامة دولة اتحادية باسم الإمارات العربية المتحدة، وإذ نزف هذه البشرى السارة إلى الشعب العربي الكريم، نرجو الله تعالى أن يكون هذا الاتحاد نواة لاتحاد شامل، يضم باقي أفراد الأسرة من الإمارات الشقيقة التي لم تمكنها ظروفها الخاصة من التوقيع على هذا الدستور. وتضمن البيان إشارة إلى إرسال وفود إلى الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة من أجل شرح أهداف الخطوات المباركة، والحصول على دعمها. وعلى امتداد الشهور الخمسة التي تلت التوقيع على الدستور المؤقت قامت أبوظبي، مفوضة من حكام دولة الإمارات العربية المتحدة، بأكبر تحرك سياسي عربي، يستهدف إلقاء الضوء على الأوضاع والتطورات التي مهدت وأدت إلى قيام الدولة الجديدة، واتخاذ الخطوات الخاصة بإعلان وثيقة الاستقلال. وكان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، يوجّه هذا التحرك السياسي النشيط ويقوده بنفسه، ويبعث بالرسائل الخطية والشفهية إلى ملوك ورؤساء الدول العربية، وأوفد الشيخ مبارك بن محمد الذي كان يشغل حينذاك وزير الداخلية، إلى المملكة العربية السعودية، كما أوفد الشيخ أحمد بن حامد الذي كان وزير الإعلام والسياحة إلى دول منطقة الخليج، وعدد من الدول العربية، وأوفد أحمد خليفة السويدي الذي كان وزير شؤون الرئاسة إلى مصر ودول المغرب العربي. وأنهت الوفود كلها مهمتها على أكمل وجه، وعادت لتقدم إلى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، تقاريرها بنتائج اتصالاتها في الدول العربية كلها، وكلها تحمل تأييد وترحيب الدول العربية بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ومساندتها لها في كل المجالات والميادين. مراحل قيام الاتحاد في فبراير/شباط 1968 كان اجتماع السمحة بين المغفور لهما، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، وتشكيل وحدة بين الإمارتين. وفي يناير/كانون الثاني 1968 أعلنت الحكومة البريطانية نيتها الجلاء عن المنطقة في موعد أقصاه عام 1971. وفي فبراير/شباط 1968 عقد اجتماع بين شيوخ الإمارات السبع، إضافة إلى قطر والبحرين لدراسة إمكانية تشكيل وحدة، وقد خرج الاجتماع بتكوين لجان عدة ومجلس أعلى ومجلس تنفيذي وأمانة عامة. وفي أكتوبر/تشرين الأول: 1969 انتخب الشيخ زايد، رحمه الله، رئيساً للمجلس، كما انتخب الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً، لمدة عامين. وفي يوليو/تموز 1971 اجتمع حكام الإمارات السبع لإجراء مباحثات لإتمام الحلم، وتوصل المجتمعون في ذلك اليوم إلى التوقيع على وثيقة قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، لتكون نواة اتحاد يضم بقية الإمارات التي لم تسنح لها ظروفها بالانضمام. وصدر دستور مؤقت لتنظيم شؤون الدولة ووقعت عليه الإمارات الست أبوظبي ودبي والشارقة والفجيرة وعجمان وأم القيوين، ولم توقع رأس الخيمة حينها. وفي ديسمبر/كانون الأول،1971 عقد حكام الإمارات الست اجتماعاً أعلنوا فيه سريان الدستور المؤقت. وفي فبراير/شباط 1972 اكتملت الفرحة بانضمام رأس الخيمة إلى اتحاد بقية الإمارات. كيان متكامل وبمجرد إعلان قيام الدولة، أخذت تحث الخطى لتأخذ مكانها الطبيعي في المجتمع العربي والمجتمع الدولي، وبادر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بإرسال برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ينبئه فيها بقيام الاتحاد، والتزامه بميثاق جامعة الدول العربية. وأوفد إلى القاهرة محمد حبروش الذي كان يشغل وزير المالية في أبوظبي على رأس وفد اتحادي ليقوم بالإجراءات الرسمية اللازمة، للانضمام إلى الجامعة العربية، وأصبحت دولة الإمارات العضو 18 في مجلس الجامعة. وصدرت عن العواصم العربية كافة، البيانات والتعليقات والتصريحات التي تعكس ترحيب وفرحة الحكومات والشعوب العربية بقيام دولة الاتحاد، إيماناً منها بأن كل وحدة أو اتحاد إنما هو قوة للعرب. وانسجاماً مع سياسة الانفتاح على العالم، وضرورة الارتباط بركب حركة التعاون الدولي، سارع الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بمجرد قيام الاتحاد بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة، طالباً انضمامها إلى المنظمة الدولية، وقد وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على هذا الطلب، وأصبحت دولة الإمارات العضو الثاني والثلاثين بعد المئة في هيئة الأمم المتحدة. وكان هذا النجاح الذي حققته دولة الإمارات، سواء على المستوى العربي أو المستوى الدولي، انتصاراً لشعب الإمارات بعد الهزيمة القاسية والانتكاسة المروعة لحركة التحرر الوطني العربي سنة 1967م. ولم تكد هذه الحركة النشطة تدب في حياة الدولة الجديدة، حتى أعلنت إمارة رأس الخيمة في 10 فبراير/شباط سنة 1972م، رغبتها في الانضمام إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وموافقتها على دستورها المؤقت. وفي اليوم نفسه وافق المجلس الأعلى للاتحاد بالإجماع على قبول إمارة رأس الخيمة في عضوية الاتحاد. وهكذا تكاملت دولة الإمارات العربية المتحدة بشكلها الحالي، وأصبحت تضم أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة، رأس الخيمة. إن إنجاز الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في إقامة الاتحاد قدم للدول العربية نموذجاً علمياً، أثبت إمكانية قيام الاتحاد أو الوحدة إذا ما ملك الساعون لتحقيقها إرادة قوية وتوجهاً خالصاً لوجه الله والوطن. 152 مادة في الدستور المؤقت أصبحت الدولة الاتحادية المؤسسة حديثاً، تُعرف رسمياً بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتمّ الاتفاق على وضع دستور مؤقّت يعتمد على نسخة معدّلة من نصّ الدستور السابق لإمارات الخليج التسع، كما تمّ تحديد المصلحة العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة على أنّه الهدف الأعلى لها. كان الدستور المؤقّت يتضمّن 152 مادة، مكوّناً من مقدّمة وعشرة أقسام، ويعمل على تحديد القوى المتعلّقة بالمؤسسات الاتحادية. وانتخب حاكم أبوظبي، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من قبل سائر الحكام ليكون أوّل رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو منصب أعيد انتخابه بعد انتهاء مدة خمس سنوات بالتتالي. وتم انتخاب حاكم دبي آنذاك، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ليكون نائباً للرئيس، وهو منصب ظلّ يملؤه حتى وفاته عام 1990م، وبعدها تمّ انتخاب ابنه الأكبر الشيخ مكتوم بن راشد ليخلفه في ذلك المنصب. وفي اجتماع عُقد في 20 مايو/أيار 1996م، وافق المجلس الأعلى للاتحاد على نصّ معدّل للدستور، جعل من دستور البلاد المؤقّت، الدستور الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعُيّنت أبوظبي عاصمة الدولة. سريان مفعول الدستور المؤقت وقيام دولة الإمارات في 2 ديسمبر/ كانون الأول سنة 1971م عقد حكام الإمارات الست اجتماعاً، وأعلنوا سريان مفعول الدستور المؤقت وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مستقلة ذات سيادة وجزءاً من الوطن العربي الكبير، تستهدف الحفاظ على استقلالها، وسيادتها، وعلى أمنها واستقرارها، ودفع كل عدوان عن كيانها أو كيان الإمارات الأعضاء فيها وحماية حقوق وحريات شعبها. كما ترمي إلى تحقيق التعاون الوثيق بين إماراتها لمصالحها المشتركة من أجل هذه الأغراض، ومن أجل ازدهارها وتقدمها في المجالات كافة، وتوفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين ونصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية، وتعمل على توثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب على أساس مبادئ ميثاق الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة، والأخلاق الدولية المثلى. وفي اليوم نفسه، تقرر انتخاب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رئيساً للدولة لمدة خمس سنوات، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، نائباً للرئيس للمدة نفسها.

مشاركة :