حين رفض الفنان العالمي مارلون براندو جائزة الأوسكار التي حلم بنيلها الكثيرون، ومنهم من حاول استرضاء تل أبيب كما فعلت جين فوندا قال عبارة واحدة.. هي أنه يدافع بهذا الاعتذار عن قبول الجائزة عن الشرف القليل الباقي في هذا الكوكب. وهذا أيضاً ما فعله جان بول سارتر عندما اعتذر عن قبول جائزة نوبل، لأنها كما قال مخصصة للسلام، لكن زمن الحرب الذي عاش فيه خصوصاً الحرب الفيتنامية لا سلام فيه ولا عدالة! وإذا كان هناك من دافعوا عما تبقى من شرف وما تبقى من عدالة، فإن ما يحدث الآن هو دفاع عن الرشد، أو ما تبقى منه في زمن الجنون، فعالمنا الذي تحول إلى جحيم أرضي حذف الفارق بين الرشد والجنون وبين الحرية والفوضى. ومعركة المثقف في العالم تراجعت إلى آخر الخنادق وهو خندق العقل والرشد، وهناك من شربوا من نهر الجنون كي يستطيعوا التأقلم وبالتالي مواصلة الحياة مقابل آخرين رفضوا ذلك، وقبلوا مثل سقراط طواعية كل صنوف العقاب والرشد المهدد الآن. مطلوب من أصحابه أو من تبقى منهم على قيد الوعي أن يقبلوا بأن الحرب سلام والكراهية حب، والاحتلال تحرير، وأن القيد الذي يُدمي المعصم هو إسورة أو حلية للزينة!! وإذا عز الشهود على مقربة من اكتمال الجريمة فذلك أمر طبيعي ما دامت البوصلة قد تجمد سهمها عند جهة الغروب، ومنظومة القيم كلها قُلبت ومشى الناس على رؤوسهم.. فلا بأس أن تعلو العيون على الحواجب وتوضع الخيول وراء العربات، ويصبح حاصل جمع الملايين صفراً بحجم قارة! التاريخ كما يقول أبرز المؤرخين وفلاسفة الحضارات التي سادت ثم بادت له نوبات جنون، تماماً كما أن للجغرافيا مثل هذه النوبات الموسمية، لكن زلازل التاريخ وأعاصيره لا تهدد أبراجاً وصروحاً ومدناً بل تهدد مفاهيم وفلسفات ورؤىً كما لها الفضل في استمرار البشرية إلى الآن رغم كل عوامل إبادتها سواء جاءت من خارجها أو من صُلبها ومن أبناء جنسها! الشرف القليل الباقي الذي دافع عنه براندو والسلام الجريح الذي دافع عنه سارتر بحاجة إلى دفاع ثالث.. هو أهم الأقانيم الثلاثة وثالثة الأثافي بلغة أجدادنا وهو الرُّشد!!
مشاركة :