حافظ أكبر الأحزاب اليسارية في الجزائر على تقاليده السياسية بتجديد الثقة للمرة السادسة على التوالي في أمينته العامة لويزة حنون، لتكون بذلك الزعيم الحزبي الوحيد في البلاد الذي حافظ على مقعده منذ تأسيس الحزب إلى غاية الآن. وبذلك تكون حنون قد قضت أكثر من ثلاثة عقود على رأس الحزب منذ تأسيسه في مطلع تسعينات القرن الماضي ما يكرّس جمود اليسار السياسي المتلاشي، ويعكس ممارسات أحادية تتنافى مع شعارات الديمقراطية والتجديد والتداول على المناصب القيادية، وهو ما يعدّ أحد الأسباب الأساسية لنفور الشارع الجزائري من الطبقة السياسية سواء أكانت في خندق الموالاة أم المعارضة. وحافظت لويزة حنون على مقعدها القيادي خلال المؤتمر الثامن الذي عقده الحزب بالعاصمة نهاية الأسبوع الماضي، ودون أيّ مرشح منافس تمت تزكية المرأة للمرة السادسة على التوالي، في حين تم تطعيم أعضاء اللجنة المركزية بعناصر جديدة. لم يحقق اليسار أيّ إنجاز لافت، حيث ظل يمثل أقلية في مختلف المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا وصرّحت لويزة حنون بعد إعادة انتخابها أن “المهمة ستكون صعبة في ظل الأوضاع الدولية والتحرشات حول الحقوق والحريات والتعددية الحزبية وحرية التنظيم، وأن هذا المؤتمر كان يجب أن ينجح، ومن كانوا يعتقدون أن حزب العمال قضي عليه في 2019 وفي 2021 مخطئون، فالحزب عرف انطلاقة ولنا حضور في 58 ولاية (محافظة)”. وأضافت “لقد أكدتم أن الحزب مستقل عمالي اشتراكي له قواعد من تقاليد الحركة العمالية والوطنية، وهو حزب أصيل مكوّن من مناضلين ومناضلات التحقوا به لخوض المعارك والكفاحات والتكوين السياسي، لأننا حزب يساعد على بلورة الضمير السياسي”. وكان الحزب قد شهد العديد من الهزات التنظيمية خلال السنوات الأخيرة، حاولت الإطاحة بلويزة حنون وبالقيادة الموالية لها بإيعاز من دوائر مقربة من السلطة، لكنها فشلت في مساعيها، الأمر الذي زاد من حظوظ بقائها على رأس الحزب الذي يحمل أفكارا يسارية لكن قنوات التواصل بينه وبين دوائر نافذة في السلطة لم تنقطع. ومنذ بداية التعددية الحزبية في الجزائر لم يحقق اليسار السياسي أيّ إنجاز لافت، حيث ظل يمثل أقلية في مختلف المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، وتعد العشرية الأولى أزهى مرحلة للحزب حيث كان تعداد كتلته النيابية في البرلمان يقدّر بنحو 40 نائبا، وما عدا ذلك فإنه ظل بعيدا عن التيارات القومية والإسلامية وحتى عن المستقلين في الانتخابات الأخيرة. وكانت لويزة حنون، التي بدأت مسارها السياسي بالعمل النقابي وبالنشاط السري قبل التعددية، ضمن الشخصيات الوازنة التي أودعت السجن في مايو 2019 بإيعاز من القيادة السابقة للجيش والمتمثلة في سعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ومديريْ جهاز الاستخبارات الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق) وعثمان طرطاق (بشير)، في حين تمكن وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار من الفرار إلى إسبانيا، بدعوى التآمر على المؤسسات والقيادات العسكرية والتخطيط للانقلاب على نظام الحكم، لكن تمّت تبرئتها بعد تغير موازين القوى داخل الجيش لصالح الجناح الحالي. Thumbnail وسجل الحزب تراجعا شعبيا ملحوظا خلال العشرية الأخيرة كعقاب للقيادة السياسية بسبب مواقفها الموالية للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، فضلا عمّا يروّج من أنباء بشأن الروابط غير المعلنة بينه وبين مدير جهاز الاستخبارات الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق). ولا زال خطاب الحزب غامضا تجاه القيادة السياسية الجديدة في البلاد، فباستثناء الأفكار الأساسية للحزب المدافعة عن الطبقات العمالية والفئات الاجتماعية الهشة، وعن القطاع الحكومي، فإن لويزة حنون دخلت الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة بشكل مرتبك، وتركت مسألة المشاركة للقواعد الحزبية، فكانت النتائج هي الأضعف منذ تأسيس الحزب في بداية تسعينات القرن العشرين. ويبقى اليسار في الجزائر من أضعف التيارات السياسية في البلاد، حيث لم يبق من الحركة الديمقراطية والاجتماعية إلا نواة هشة تتمثل في رموز سياسية لم تستطع كسر العزلة التي تخيم عليها بسبب مواقفها الراديكالية، إذ لم يطلق سراح منسقها الوطني فتحي غراس إلا مؤخرا بعدما قضى نحو عام في السجن، بينما تم حل حزب العمال الاشتراكي في إطار ما يعرف بعملية التطهير التي تنفذها وزارة الداخلية والجماعات المحلية. ولم يحدث أن دخل الحزب في أيّ عمل منسق أو تحالف لخوض استحقاق ما، وهو ما أبقاه تيارا مشتتا، خاصة وأن الشكوك بقيت ملازمة له، فعلاقات لويزة حنون مع دوائر السلطة كسرت جسور الثقة بينها وبين بقية الأحزاب المعارضة.
مشاركة :