من الطبيعي أن يؤدي التضخم الأسرع إلى زيادة التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة. أما في المملكة المتحدة، حيث مكاسب الأسعار هي الأسرع منذ ثلاثة عقود، يراهن المتداولون على تخفيض الأسعار. يولي هؤلاء اهتماماً لتحذير بنك إنجلترا هذا الشهر من أن ارتفاع تكاليف الطاقة، والملابس، والمواد الغذائية قد يؤدي إلى توقعات نمو أضعف، كما تُظهر أسواق المال رهانات على انخفاض بأكثر من ربع نقطة خلال العامين المقبلين، وهو المركز الأكثر تطرفاً منذ عام 2007. هناك تناقض صارخ عن الشهر الماضي، عندما كان يُنظر إلى الارتفاع الوفير بمقدار 50 نقطة أساس بحلول شهر مايو على أنه أمر مفروغ منه. وقد تبخرت هذه الرهانات بنهاية فبراير وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، ولم يتم إحياؤها بالكامل من خلال بيانات الأسبوع الماضي التي أظهرت أن مؤشر أسعار المستهلك في فبراير بلغ مستويات شوهدت آخر مرة في عام 1992. بدلاً من ذلك، يستعد المتداولون لتأثير الدورة الحالية لتشديد السياسة - التي قدمت ارتفاعاً بمقدار 65 نقطة أساس منذ ديسمبر - على النمو طويل الأجل ومسار الأسعار. علّق أنطوان بوفيت، المحلل الاستراتيجي في "بنك أي إن جي" (ING Bank) قائلا: "من المفارقات أن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين يعزز الآن الرواية المتعلقة بمكافحة التضخم على المدى المتوسط"، مضيفاً أن "قراءات مؤشر أسعار المستهلكين ليست ذات تأثير كبير، ويعود ذلك جزئياً إلى سلسلة المفاجآت الإيجابية". لا مفاجآت تجاوزت قراءات مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة متوسط التقديرات في استطلاعات "بلومبرغ" للاقتصاديين منذ أكتوبر، ما أدى إلى تآكل عنصر المفاجأة تدريجياً في كل مرة. في ذلك الوقت، راهنت أسواق المال في وقت ما على أكثر من نقطة مئوية من زيادات أسعار الفائدة بحلول نهاية هذا العام، قبل أن تتراجع عنها في نوفمبر، وبعد أن أبقى صانعو السياسة على نحو مفاجئ سعر البنك ثابتاً مع انتشار "أوميكرون". وكثّف المتداولون رهاناتهم مرة أخرى في أعقاب زيادة سعر بنك إنجلترا في ديسمبر، وهي الأولى منذ عام 2018، قبل تقليصها بعد غزو روسيا لأوكرانيا. يُشار إلى أنه بعد بيانات التضخم يوم الأربعاء الماضي، تُسعّر أسواق المال الآن حوالي 139 نقطة أساس من المزيد من التشديد لهذا العام. كان رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة في بنك إنجلترا في 17 مارس، والذي أعاد تكاليف الاقتراض إلى مستوى ما قبل الجائحة، مصحوباً بتحذير صانعي السياسة من أن الحرب في أوكرانيا قد تدفع التضخم إلى ما فوق 8% في وقت لاحق من هذا العام. ومع ذلك، فقد خففوا أيضاً من التوقعات بالقول إن المزيد من التشديد في السياسة "قد يكون" مناسباً في الأشهر المقبلة، وهو تخفيف من الصياغة التي أُعلنت في فبراير، عندما قالوا إن مثل هذه الخطوة كانت "محتملة". علاوةً على ذلك، يتوقع البنك المركزي أن يتراجع تضخم مؤشر أسعار المستهلكين إلى ما يزيد قليلاً عن هدفه البالغ 2% في غضون عامين، وأدنى من ذلك في غضون ثلاث سنوات. كذلك قال تشارلز ديبل، رئيس الدخل الثابت في "صندوق ميديولانوم إنترناشونال" (Mediolanum International Fund): "لن أقول إن هذا يُعدّ تراجعاً في التضخم بل هو بالأحرى دورة أسعار نموذجية تتمثل في قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة التي تخنق النمو في النهاية، وبالتالي انعكاس في السياسة في الوقت المناسب؛ إنها أساسيات سياستها النقدية". تحطمت أية آمال في الحصول على المزيد من الدعم المالي الأسبوع الماضي، عندما جرى اعتبار حزمة التخفيضات الضريبية التي قدمها وزير الخزانة ريشي سوناك غير كافية لوقف الانخفاض القياسي في الدخل الحقيقي المتاح. إبطاء الوتيرة وكتبت دانييلا راسل، رئيسة استراتيجية الأسعار في المملكة المتحدة لدى "إتش إس بي سي" (HSBC Holdings)، في مذكرة: قد تكون الإجراءات "غير كافية لمنع حدوث تباطؤ ملحوظ في الطلب". وأوصت بالتمركز لمزيد من الاختلاف بين السندات الحكومية البريطانية وسندات الخزانة الأمريكية، التي ارتفعت عائداتها بفعل الموقف المتشدد للاحتياطي الفيدرالي. وقفز العائد على السندات الأمريكية لأجل عامين بأكبر قدر منذ 2009 الأسبوع الماضي، في حين انخفض الفارق بين الأوراق المالية لأجل خمسة إلى 30 عاماً إلى أدنى مستوى منذ عام 2006. من جانبها كتبت "راسل" قائلة: "يبدو الآن أن البنك قد يكون جاهزاً قريباً للبدء في إبطاء وتيرة التشديد، حيث تنحرف المخاطر إلى توقف سابق، وعدد أقل من الارتفاعات".
مشاركة :