انطلاقة اليوان كعملة احتياط عالمية مرهونة بالإصلاحات الصينية

  • 12/2/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يسهم إقرار صندوق النقد الدولي اعتماد اليوان كعملة احتياط في تشجيع التداول به خارج الصين ويعزز موقعه ضمن احتياطات المصارف المركزية، إلا أن انطلاقته ستستغرق وقتا طويلا مع انعدام إمكانية تحويله بحرية، وستبقى مرهونة بالإصلاحات المالية المنتظرة من بكين. ووفقا لـ"الفرنسية" أكد صندوق النقد الدولي في واشنطن أمس الأول ، ضم اليوان إلى سلة العملات الرئيسة التي تحدد الوحدة الحسابية للمؤسسة المالية، معترفا به كعملة احتياط إلى جانب الدولار الأمريكي والجنيه الاسترليني والين الياباني واليورو. ورحب بنك الشعب المركزي الصيني أمس، بقرار صندوق النقد الدولي إضافة "الرينمبيني" إلى قائمة عملات الاحتياطي النقدي التي يستخدمها الصندوق كمعيار للقيمة. وقال البنك في بيان إن قرار صندوق النقد سيسرع وتيرة الإصلاحات المالية في الصين وانفتاحها اقتصاديا على العالم. وأضاف "إن انضمام الرينمبيني إلى سلة العملات يعني أيضا أن توقعات المجتمع الدولي أصبحت أكبر بشأن الدور النشط الذي يجب أن تلعبه الصين في العالم على الصعيدين الاقتصادي والمالي". كما رحب جين ليكوين الرئيس المعين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية المدعوم من الصين بالقرار خلال كلمته أمام المؤتمر السنوي لغرفة التجارة الأوروبية في الصين أمس. وبهذا، تكون بكين قد حققت انتصارا رمزيا كبيرا، كونها تواصل الجهود لتعزيز مكانة عملتها الوطنية في العالم لتوازي مستوى قوتها الاقتصادية. إلا أن عددا من المختصين يستبعدون أن تجني الصين على الفور فوائد قرار صندوق النقد الدولي، ولو أنه سيشجع حتما المصارف المركزية الكبرى على تسريع عملية تنويع احتياطاتها من العملات. وقال داريوش كوفالسكي الخبير الاستراتيجي لدى مصرف كريدي أجريكول: إن المصارف المركزية غير ملزمة باعتماد تشكيلة حقوق السحب الخاصة، غير أنها عمليا تأخذها بالاعتبار. ومن المفترض أن ينطبق الأمر على اليوان" نظرا إلى وزن الصين الاقتصادي كثاني قوة في العالم. ورأى أن "حصة الرنمينبي (اليوان) في احتياطات هذه المصارف قد يرتفع خلال ست سنوات من 1.4 في المائة حاليا إلى ما بين 4.7 في المائة و10 في المائة "، ما يترجم إقبالا على شراء اليوان قد يصل إلى 110 مليارات دولار في السنة. غير ريموند يونج أن الخبير الاقتصادي لدى مجموعة أيه إن زد المصرفية يحذر من أن هذا التطور "لن يتم بين ليلة وضحاها"، مشيرا إلى أن الأمر يتوقف على مستوى ثقة المؤسسات المالية. ويقول أندرو كينينجهام من مكتب كابيتال إيكونوميكس إن "المصارف المركزية على غرار سائر الشركات التي تدير أموالا، تفضل التعاطي بالعملات القابلة للتحويل بشكل تام والتي لها أسواق صرف وأسواق سندات واسعة" يمكن التداول بها بسهولة. وهنا تحديدا تكمن المشكلة. إذ يوضح الخبير أن "جاذبية اليوان كعملة احتياط ستصطدم بانعدام قابليتها للصرف وبمحدودية السيولة" فضلا عن المخاوف الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد الصيني. ويحتم اندماج عملة في سلة صندوق النقد الدولي عليها أن تكون "مستخدمة بشكل واسعة" و"مستخدمة بشكل حر". ولم يطرح الشرط الأول أي مشكلة على صندوق النقد، إذ كان اليوان في أيلول (سبتمبر) خامس عملة للمدفوعات الدولية، وسجل 2.45 في المائة من التعاملات ولو أن الفرق يبقى شاسعا مع الدولار الأمريكي (43.3 في المائة) واليورو (28.6 في المائة)، بحسب شركة سويفت المالية. أما الشرط الثاني، فأثار جدلا إذ إن اليوان يفتقد إلى حرية التحويل وتبقى تقلبات سعره محدودة ضمن هامش يتراوح حول سعر محوري يحدد يوميا. وحرصا منها على تفادي هروب الرساميل، تواصل بكين فرض قيود شديدة على حركة الأموال خارج البلاد، وفي دليل على تشدد السلطات في هذا الصدد قامت أخيرا بتفكيك شبكات متهمة بتحويل مئات مليارات اليوان بصفة غير شرعية إلى الخارج. ويقول أندرو كولكوهون، المحلل في شركة فيتش ريتينجز، إن "ضم (اليوان) إلى حقوق السحب الخاصة لم يعوض عن الإصلاحات الهيكلية العميقة" التي لا بد منها لفتح النظام المالي الصيني. ويشدد على أن "الصين وعدت برفع الرقابة عن الرساميل بحلول 2020، ما يعني أننا ما زلنا بعيدين عن قابلية التحويل الحر" للعملة الصينية. وضاعفت الصين إشارات حسن النية، فباشرت تحرير معدلات فائدتها الأساسية وسمحت لعديد من المصارف المركزية والصناديق السيادية الأجنبية بالوصول إلى سوقها الداخلية لصرف العملات. وأعلن البنك المركزي الصيني في آب (أغسطس) تخفيض نحو 5 في المائة، في سعر العملة الصينية، موضحا أنه عدل نظام احتساب السعر المرجعي لليوان ليكون أقرب إلى قيمته "الفعلية"، في خطوة لقيت ترحيبا من صندوق النقد الدولي. وأبرم البنك المركزي الصيني اتفاقات مع نحو 30 مصرفا من المصارف المركزية الكبرى لتبادل عملات. غير أنه سيترتب على بكين تكثيف جهودها إن أرادت التغلب على تشكيك المستثمرين من مؤسسات وجهات خاصة. وقال مارك وليامز، الخبير في شركة كابيتال إيكونوميكس، إن سياسة بكين الاقتصادية "التي لا يمكن التكهن بها" وتدخلها بشكل عشوائي في الأسواق لدى انهيار البورصة خلال الصيف "يشكلان عوامل قوية تدفع إلى الابتعاد" عن اليوان. ومن غير المتوقع أن يؤدي قرار صندوق النقد الدولي إلى الحد من حركة تدفق الرساميل خارج الصين التي تسارعت على الرغم من القيود المفروضة، يغذيها تراجع الظروف الاقتصادية والمخاوف من استمرار في تدني سعر العملة الصينية. وفي هذا السياق، يتوقع أن يستمر البنك المركزي في التدخل بصورة مكثفة من أجل ضمان استقرار اليوان، إذ أن أي تليين سريع في سياسة ضبط العملة سيعكس تراجعا كبيرا في سعرها في ظل تراجع أسس الاقتصاد الجوهرية، وهو ما يعلق عليه خبراء مصرف باركليز بالقول إنها "مشكلة مستعصية". وأبدى محللون قد أعربوا عن قلقهم بسبب التخفيض المفاجئ لقيمة اليوان في آب (أغسطس) الماضي على خلفية انهيار أسعار الأسهم في بورصة شنجهاي للأوراق المالية حيث فقد مؤشر البورصة الرئيس نحو 40 في المائة مقارنة بمستواه القياسي الذي وصل إليه في منتصف حزيران (يونيو) الماضي. وكان تقرير لمسؤولي الصندوق مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي قد أوصى بضرورة ضم العملة الصينية إلى ما تسمى "سلة عملات" الاحتياطي التي يستخدمها صندوق النقد لحساب المتوسط اليومي لأسعار صرف العملات الخمس الرئيسة. ويستخدم هذا المتوسط لقياس قيمة "حقوق السحب الخاصة" التي تحدد ما يمكن لأي دولة عضو في صندوق النقد الدولي سحبه من أموال الصندوق عند الحاجة. وأيدت لاجارد تقرير المسؤولين بشأن أحقية العملة الصينية في الانضمام إلى سلة العملات الرئيسة لدى الصندوق حيث تلبي كل الشروط الخاصة لكي تكون "عملة حرة" وقابلة للتداول في أسواق الصرف الأجنبية. وقال المجلس التنفيذي لصندوق النقد في قراره اليوم: إن اليوان "لبى كل المعايير الموجودة ... وهو مؤهل لكي يكون عملة حرة" وأن يتم ضمه إلى سلة عملات الصندوق اعتبارا من أول تشرين الأول (أكتوبر) 2016.

مشاركة :