بين عامي 2004 و2012، تورط بنك "بي إن بي باريبا" في ضخ 30 مليار دولار لدول خاضعة للعقوبات الأميركية، ومن بينها إيران وكوبا، وعمل مسؤولو البنك على إخفاء أي وسيلة تعقب باستخدام شبكات تكنولوجية كما تواصل عن طريق تطبيقات تراسل مشفرة. لكن أحد الأشخاص فضح هذا التورط لدى السلطات الأميركية، وكان من المتوقع دفع البنك نحو 1.1 مليار يورو (حوالي 1.2 مليار دولار)، لكن الولايات المتحدة فرضت غرامة على البنك قدرها 8.9 مليارات دولار عام 2014، وتصاعدت الأزمة إلى المستوى الدبلوماسي، لكنه نجا من العقوبات الدائمة من واشنطن. وتمتلك الولايات المتحدة باعاً طويلاً في فرض عقوبات على دول أخرى؛ بسبب سطوة الدولار وهيمنته على نحو 62 في المئة من الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية، فضلاً عن أن المدفوعات الدولية تتم في الأغلب بواسطة العملة الخضراء، ويتم تقييم أغلب عقود السلع به، كما يقبل عليه المستثمرون في أوقات الأزمات كملاذ آمن. وفي هذا الصدد، تعي الحكومة الصينية مكانة الدولار جيداً كعملة احتياطي نقدي دولية، وتتقدم بحذر وبشكل منهجي لتجنب أخطاء الماضي والرهان على ورقة رابحة ألا وهي: فتح سوق سنداتها المقدر حجمه بـ 13 تريليون دولار يمثل 51 في المئة من كل السندات التي تصدرها الاقتصادات الناشئة. عملة احتياطي نقدي عالمية - هناك عدة فوائد لإصدار عملة احتياطي نقدي عالمية؛ الأولى تقليل تكاليف المعاملات المالية إذ يمكن للشركات لدى الدولة صاحبة عملة الاحتياطي النقدي العالمي الاقتراض في الأسواق الدولية وتقليل المخاطر. - أيضاً تعزز مرونة الاقتصاد الكلي عن طريق عملة احتياطي نقدي دولية؛ فالدولار الأميركي على سبيل المثال، يعد أصلاً جاذباً يمكن استخدامه لأغراض عبر الحدود، بل إن الأزمات أحياناً ما تساعد الولايات المتحدة، ففي عام 2011، عندما تم خفض التصنيف الائتماني لأميركا، وهرع الكثيرون لشراء الدولار كملاذ آمن، ويسّر على واشنطن الاقتراض. - تعطي هيمنة الدولار المزيد من القوة والأذرع الاقتصادية للولايات المتحدة، فمن الممكن لواشنطن دعم حلفائها اقتصادياً بالدولار، ويمكنها أيضاً حرمان أعدائها من عملتها الخضراء. - في العام الماضي، أكدت السلطات المالية في "واشنطن" تورط ثلاثة بنوك صينية في مساعدة كوريا الشمالية الخاضعة للعقوبات الدولية. - رغم ذلك، يرى محللون ضرورة تدخل الفدرالي لدعم العملة والتعامل مع السيولة الهائلة حول العالم بالدولار، لكن دولاً وتكتلات مثل منطقة اليورو استفسرت بالفعل عن أسباب عدم استخدام اليورو بشكل أكثر من الوتيرة الحالية. - تحاول بعض الدول مثل روسيا الخروج من تحت سطوة الدولار الأميركي، فمنذ عام 2013، خفض البنك المركزي نصيب العملة الخضراء في احتياطياته من 40 في المئة إلى 24 في المئة. الصين ويوانها - لا يخفى على أحد أن الصين تحاول هي الأخرى تعزيز مكانة اليوان كعملة احتياطي نقدي عالمية، كما أنها تريد التحكم في كل ما يدخل أو يخرج من مال من وإلى البلاد. - في الألفية الجديدة، بدأت الصين السماح لمواطني هونغ كونغ لفتح حسابات ودائع باليوان، مما عزز السيولة بشكل كبير، كما تشجع الشركات الأجنبية لديها على إصدار سندات باليوان. - تقيدت جهودها عام 2015 بسبب القلق وقتها حيال الاقتصاد الصيني، مما دفع البنك المركزي لحرق تريليون دولار من احتياطياته النقدية لكبح تخارج رؤوس الأموال. - أعرب البعض عن شكوكهم في قدرة الصين على بلوغ أهدافها في تعزيز مكانة اليوان، خصوصاً أن الأزمات الاقتصادية تعرضها لمشاكل كبير وتخارج في رؤوس الأموال، لكن يجب الأخذ في الاعتبار ارتفاع حجم الودائع في الصين إلى أكثر من تريليون دولار مرة أخرى وتشهد زيادة سريعة حتى أصبحت عشرين ضعف الحجم الذي كانت عليه عام 2009. - في ظل الطفرة في المعاملات بالنقد الأجنبي عالميًا خاصة بعملات الاحتياطي النقدي العالمي، هناك زيادة ملحوظة في استخدام اليوان الصيني، كما أن الاستثمارات الخارجية الضخمة التي تضخها بكين تعزز مكانة عملتها أيضاً. - بلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في مشروعات مرتبطة بمبادرة "الحزام والطريق" نحو 15 مليار دولار ربعها باليوان. - تستهدف الصين في نهاية المطاف أن تقبل البنوك المركزية العالمية على حيازة اليوان كعملة احتياطي نقدي دولية منذ اعتمادها من صندوق النقد الدولي ضمن سلة من العملات الرئيسية عام 2016. - ارتفع حجم الاحتياطيات النقدية الدولية باليوان منذ ذلك الحين حتى سجل 2.1 في المئة في سبتمبر عام 2019، كما يتوقع محللون تعزز مكانة اليوان بشكل أكبر؛ نتيجة اختراق بكين المزيد من الأسواق الدولية والاقتصادات والاستثمارات.
مشاركة :