ليس بمستغرب أبدا ذلك الموقف الرسمي والشعبي المنسجم والمتناغم والتلاحم المهيب، الذي رافق استشهاد كوكبة من عشرات الجنود الإماراتيين الأشاوس، خلال تأدية واجبهم الوطني في اليمن، حيث تفاعلت دولة الامارات بكل مستوياتها الرسمية والشعبية مع هذا الحدث الكبير، لتعطي من جديد صورة لانموذج الدولة الوطنية الحضارية، والتي تدرك جيدا ان قيمة الوطن من قيمة ابنائه، وان تكريم شهداء الوطن بهذا الشكل والاهتمام بقضيتهم، احد ابرز المهام السامية التي تقوم بها الدولة ويتمثلها الشعب الاماراتي بكافة اطيافه وفئاته، والذي اثبت مرة اخرى انه على مستوى المسؤولية الوطنية العالية، بوقوفه خلف قيادته الحكيمة التي آلت على نفسها الا ان تشارك في العمل الخليجي العربي المشترك بقيادة المملكة، لاعادة الشرعية الى اليمن، واستئصال فئة المتمردين الحوثيين الضالة والمنحرفة، الذين ارادوا ان يكونوا كمخلب القط بالنسبة للاطماع الفارسية في دول الخليج والمنطقة العربية، بدعم مشبوه وبأياد خفية لخلق الفتن وإذكاء الطائفية وتأجييج الصراع المذهبي لتفتيت وتقسيم الأوطان والتخلي عن هوياتها الوطنية. رد الفعل الرسمي على المستوى الرسمي جاء الحدث مؤثرا وترك اثرا مؤلما في نفوس المسؤولين الاماراتيين الذين سارعوا الى متابعة تداعياته وتفاصيله باهتمام حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إن الإمارات تجود بأبنائها دفاعاً عن الحق، مشدداً على أن شعب الإمارات يقف وقفة رجال خلف قيادته بهذه المعركة. كذلك أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، خلال زيارته المتكررة سواء للمستشفيات أو تقديم واجب العزاء في منازل أسر الشهداء أكثر من مرة لتشجيعهم ومواساتهم، أن أوسمة الشرف والناموس التي توجنا بها شهدائنا الأبرار هي خير برهان لفداء الوطن وتضحية أبنائه الغيارى والتي يحملها الجرحى والمصابون على أبدانهم، هي خير دليل وبرهان على مواقف العز والشرف والبطولة والإستبسال، التي وقفها شعب الإمارات موقف رجل واحد، وسطرها خيرة شبابها على صحائف التاريخ الذي يسجل في صفحاته المنيرة والمشرقة، لأن التاريخ لايكتب إلا بالدم والتضحية. وثمن محمد بن زايد الهمم العالية جدا، والمعنويات المتوثبة التي أبداها الجرحى والمصابون وأولياء أمورهم وذويهم، والتي عكست مقدار ما يحمله أبناء الإمارات، ويكنه شعبها الوفي، لهذا الوطن المعطاء، من حب وإخلاص وتفانٍ وإستبسال، لمواصلة إعلاء شأنه ورفعته بين الأمم والشعوب. ولعل ما يجب التوقف عنده بعناية هي تلك الروح الوطنية العالية بهذا الحس المفعم بالولاء المطلق والشجاعة الفائقة النادرة التي تمتع بها جنود ابناء الامارات الأبطال الذين يخوضون غمار الحرب في ساحات الوغى بكل جدارة واقتدار وعزم، دفاعا عن الواجب المقدس والقيم العالية والمباديء السامية والمصالح العربية العليا الثابتة، حيث عبّر المصابون من القوات الاماراتية المسلحة، وكذلك آبائهم وأمهاتهم خلال تبادلهم الأحاديث مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عن تقديرهم العالي لزيارة سموه لهم وتفقدهم وتكرار زياراته لهم، مشيرين إلى أنهم ينتظرون بفارغ الصبر استكمال العلاج بسرعة ليعودوا الى المعركة مرة ثانية ولينضموا مجدداً إلى صفوف اخوانهم المقاتلين في ساحات العز والكرامة على جبهات البطولة لتأدية نداء الوطن، ليواصلوا مع إخوتهم رفاق السلاح وشرف المهنة العسكرية واجبهم ومسؤولياتهم الوطنية ولتأدية الواجب على أكمل وجه نزولا عند رغبة قادتهم وذويهم وأيمانهم بهذه المعركة المصيرية مرددين: إننا سنكون أوفياء لهم ومتشوقين لمواصلة رسالتهم التي نذروا أنفسهم لتحقيقها، لتبقى راية العرب خفاقة عالية على امتداد الوطن العربي الكبير. إرث الشيخ زايد رسالة سامية وواضحة قدمها ابناء الامارات لوطنهم تعبر بشكل واضح عن مستوى الوعي العالي لهؤلاء الرجال، الذين يتمثلون القيم والمباديء التي ارساها الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان -رحمه الله- يؤكد دائماً على ان بناء الإنسان هو الاهم وان الفرد هو اغلى ما يملك الوطن، وهو الثروة الحقيقية. بالمقابل لا بد لنا ونحن نتوقف أمام المعاني الكبيرة لهذا الحدث الجلل في تاريخ الامارات ولأول مرة، عند الوفاء والاعتراف بالجميل الذي جسده الاخوة في اليمن والذي تمثل في نعي رئاسة الجمهورية اليمنية استشهاد الجنود الاماراتيين والبحرينيين المشاركين ضمن قوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذين استشهدوا الى جانب عدد من اخوانهم في الجيش الوطني اليمني، حيث عبرت الرئاسة اليمنية عن أصدق تعازيها إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين وجميع قادة ورؤساء الدول المشاركة في التحالف العربي، مؤكدة أن الشعب اليمني لن ينسى لدولة الإمارات العربية ومملكة البحرين وجميع قيادات دول التحالف العربي كرم المبادرة ومد يد العون والمساعدة لاستعادة الدولة اليمنية ورفع الظلم والعدوان الذي تعرض له أبناء الشعب على يد المليشيات الطائفية الانقلابية وبذل الغالي والنفيس للحفاظ على استقرار وامن اليمن والمنطقة برمتها. انها رسالة جديدة ترسلها دولة الامارات قيادة وشعبا للعالم اجمع لكي تثبت ان هذه الدولة الفتية، متينة بانجازاتها الحضارية، عريقة بتراثها ومواقفها الوطنية التي لا يرقى اليها الشك ابدا، من خلال هذا التماسك والتعاضد الشعبي، وتفاعل المجتمع الإماراتي مع هذه القضية وهذه التضحيات الجسيمة بشكل إيجابي قوي ومفرح وسار للأصدقاء ويغيظ الأعداء. كما يرسل شعب الامارات برسالة قوية مشابهة للعالم اجمع تشير الى مدى الوعي الوطني والسياسي الذي يتمتع به شعب الامارات العربية المتحدة، وبهذا الحس الوطني العالي والشعور بالأنتماء للوطن الذي يبرهن من جديد عمق انتمائه العربي ووطنيته التي تعبر عن ذاتها في مواقفه دائماً، وأنسجامه مع قيادته في أيام المحن والسراء والضراء. شهداء الإمارات أوسمة رفيعة ونياشين ثمينة ونبراس لوطنهم مع صدور هذا العدد بمناسبة اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي يصادف 2 ديسمبر من كل عام، وبعد مرور 44 عامًا من تأسيس دولة الإمارات العربية على يد مؤسسها وباني نهضتها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله، نستذكر وقفة الإمارات الشجاعة وتضحياتها الجسام واستبسال واستشهاد 69 شهيدًا أبطالها الشجعان في عاصفة الحزم وإعادة الأمل، من جميع منطاق دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن جميع الرتب من ضباط وضباط صف وأفراد. يوم الشهيد أنشأ ديوان ولي عهد أبو ظبي مكتبًا متخصصًا لشؤون أسر الشهداء ليعني بمتابعة احتياجاتهم وتقديم الدعم اللازم لهم، وتنفيذًا لأمر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بأن يكون ال 30 من نوفمبر من كل عام يومًا للشهيد، حيث يكرس «يوم الشهيد» فخر واعتزاز دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعبًا بتضحيات الشهداء الأبرار من أجل إعلاء راية الوطن وحفظ الاستقرار والسلام في ربوع دول المنطقة وأمن شعوبها، والتأكيد على قيم الولاء للوطن والأمة والتضحية والفداء كمنهج راسخ ومستمد من ديننا الإسلامي الحنيف الذي أعلى من مكانة الشهادة والشهداء. وبالتزامن مع يوم الشهيد وجه شيوخ الإمارات وحكامها وقادتها ومسؤوليها رسائل ملؤها الفخر والاعتزاز بتضحيات ابناء القوات المسلحة البواسل والذين قضوا في سبيل الحق ونصرته. حيث أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات على أن ذكرى يوم الشهيد هي مناسبة للاحتفال بالعطاء والبذل في سبيل المحافظة على مقدرات الوطن وأرضه. وقال سموه، “إنه ليوم عظيم.. يوم تكريم الشهداء في بلدنا.. نستلهم فيه بطولاتهم ونتخذهم قدوة في الدفاع عن تراب وطننا الغالي.. ونترحم فيه عليهم ونطلب منه تعالى أن يسكنهم فسيح جناته وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان. إن الأمم إنما تكبر ببطولات أبنائها وتخلد في التاريخ بتضحياتهم فبتضحيات شهدائها تبني القوة والمجد والفخر للأجيال الحاضرة والقادمة..فتمتلئ أنفسهم عزة وكبرياء وكرامة بين الأمم فيباهون بهم الآخرين ويسجلون في صفحات من نور أعمالهم البطولية ومبادراتهم القتالية في ساحات الوغى.. وسيظل الثلاثون من نوفمبر من كل عام نبراسا هاديا لتضحيات أبنائنا. نحفظ حق أسر الشهداء وذويهم في الرعاية والاهتمام وتلبية كل ما يحتاجونه من تعليم وصحة ورعاية في مسكن عصري تراعي فيه أسباب الحداثة ومعطيات العصر مؤكدين أنهم سيبقون جزءا غاليا من أهلنا وسيبقى توفير الحياة الكريمة لهم مطلبا عزيزا من مطالب حكومتنا.. أسوة بالجميع. إن يوم الشهيد الذي نحتفل به.. ينبغي أن يكون يوما ملؤه العطاء والبذل في سبيل المحافظة على مقدرات الوطن وأرضه ويجب أن يكون حافزا لنندفع نحو الخدمة الوطنية وننخرط فيها ونتعلم كيف نحافظ على وطننا عزيزا كريما. كما يجب أن نتعلم من احتفالنا بيوم الشهيد كيف نواجه الأحداث وكيف نتعامل مع الأزمات.. فالخدمة الوطنية تصنع من الأبناء رجالا مؤمنين بربهم ودينهم ووطنهم واقفين إلى جانب قيادتهم الرشيدة قولا وعملا في كل ما من شأنه أن يعلي من مكانة الوطن في نفوسنا ومن عطاءاته في قلوبنا”. كما وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رسالة مماثلة قال فيها، “ في هذا اليوم العظيم.. يوم الشهيد.. تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة.. ويحتفل شعب الإمارات.. ويحتفل تاريخ الإمارات بكوكبة من أبنائه وثلة من أخياره.. ثلة طاهرة بذلت الروح من أجله.. وأرخصت الدماء في سبيله.. ورفعت راية والفخر والمجد عنوانا لشعبه. نحتفل وإياكم أيها الإخوة المواطنون في يوم الشهيد بروح جديدة سرت في بلادنا وبقيم عظيمة ترسخت في نفوسنا وبعزة عالية رفرفت في سماء دولتنا.. نحتفل بمن حملوا أرواحهم على أكفهم فداء لوطنهم وحفاظا على أمن بلدهم ومستقبل منطقتهم.. نحتفل بمن رصوا صفوفهم في صلاتهم.. ورفعوا أكفهم لخالقهم أن يتقبلهم عنده شهداء ويصطفيهم مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا. في هذا اليوم أيها الإخوة المواطنون تطاول أعناقنا السماء فخرا وعزا وشرفا بهذه الثلة الطاهرة ويقف شعبنا إجلالا واحتراما وتقديرا لهذه الكوكبة المباركة.. وتتقاصر كل أعمالنا وتضحياتنا عن بلوغ ما بذلوه من بذل للدماء وإرخاص للروح من أجل تراب هذا الوطن. نشهد لهم في هذا اليوم وفي كل يوم أنهم وإخوانهم في قواتنا المسلحة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. وأبطال سطروا تاريخا جديدا.. وعهدا عظيما.. نشهد لهم بأنهم رجال يقذفون الرعب في نفوس أعدائنا، وينصرون أمتنا، ويدافعون عن الحق ويدفعون الظلم ويجيبون دعوة المستغيث ويلبون نداء قادتهم أينما وكيفما كان. نشهد لهم في هذا اليوم بأننا لهم أوفياء.. ولأبنائهم نحن الآباء.. ونعاهدهم في هذا اليوم بأننا على المسيرة مستمرون ولتضحياتهم مقدرون ولذكراهم حافظون ما امتدت بنا هذه الحياة. في هذا اليوم أيها الإخوة المواطنون نحتفل ونحتفي ونفرح بآباء وأمهات وأسر قدمت شهداءها ثم رفعت رأسها متطلعة لتقديم المزيد منهم.. نحتفي ونفرح بجنود جرحى أقسموا أن يعودوا لأرض المعركة لإكمال مسيرة الشرف والبطولة.. نحتفي ونفرح بأبناء الشهداء الذين لا نراهم إلا مستبشرين بتضحيات آبائهم.. فخورين ببطولاتهم.. فرحين بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون. يوم الشهيد أيها الإخوة المواطنون هو بداية عهد جديد في دولة الإمارات عهد عنوانه التضحية من أجل الوطن وبذل الغالي والنفيس من أجل مستقبله وترسيخ التلاحم مع قادته، وتوحد البيت من أجل الحفاظ على أمنه واستقراره ومصالحه. عيدنا الوطني هذا العام أيها الإخوة المواطنون هو عيدين وفرحتنا فرحتين وفخرنا ضعفين لأن عنوان احتفالاتنا هذا العام هو شهداؤنا وقمة إنجازاتنا هو تقديم هذه الكوكبة الطاهرة من أبنائنا في سبيل الحق ونصرة الشرعية والحفاظ على أمن واستقرار دول الخليج وسلامة بلاد الحرمين. دولتنا في هذا العيد ال 44 أيها الإخوة أكثر قوة.. وشعبنا أكثر تلاحما.. وقواتنا أكثر تضحية.. وبلادنا أكثر أمنا واستقرارا ..ودولتنا أكثر مهابة واحتراما بين الأمم والشعوب . نسأل الله أن يتقبل شهداءنا.. ويحفظ دولتنا.. ويديم أمننا واستقرارنا.. ويلهمنا جميعا مزيدا من العمل والإنجاز لعزة بلدنا وسعادة شعبنا”.
مشاركة :