تُواصل "أيام الشارقة التراثية" في نسختها 19، الفعاليات الثقافية والفنية والترفيهية، ورقصات الفنون الشعبية والفلكلورية والأهازيج الغنائية المحلية والعربية والعالمية. فيما أقيمت مساء أمس ضمن فعاليات المقهى الثقافي ندوةٌ، شارك فيها كل من رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس اللجنة العليا المنظمة للأيام الدكتور عبدالعزيز المسلم، والدكتور عمر عبدالعزيز، والدكتور سعيد يقطين وسلامة الرقيعي؛ حيث ناقشت الندوة تجليات "التراث الثقافي وأفق المستقبل". واستهلّ الدكتور عبدالعزيز المسلم، الندوة بالترحيب بالمشاركين؛ موضحًا أن اختيار "التراث والمستقبل" شعارًا لدورة هذا العام؛ انبثق من فكرة أن الشارقة في نهضتها وتنميتها الشاملة تحلق بجناحين قويين يمثلان الأصالة والمعاصرة، في تمسك عميق بقيم وهوية الماضي وتطلع واثق يصنع المستقبل ويستشرفه. وأكد أن هذا النهج يتجسد في اهتمام الإمارة بصون التراث وحفظ الهوية الأصيلة بما فيهما من أفكار ومعتقدات وقيم موروثة، وإقران كل ذلك بانتشار المؤسسات العلمية والبحثية المتقدمة وأرقى مراكز الابتكار والتكنولوجيا والفضاء والفلك بدوره. وتحدث الدكتور عمر عبدالعزيز عن العلاقة بين التراث والتشكيل، ببعديهما الماضي والمستقبلي؛ مؤكدًا أن البعض قد يحمل نظرة ثنائية تصادمية بين التراث كمفهوم وفعل وبين التشكيل بما فيه من مفردات الحاضر والماضي والمستقبل، وأضاف أن التراث عصيٌّ على الاضمحلال والتلاشي طالما توفر الترابط والربط الصحيح مع المستقبل، لأن التراث بات بمثابة لؤلؤة في محارة تحتاج لإعادة اكتشاف دائم، وقد تبدو كصحراء ميتة لا حياة فيها، لكن قطر المطر المنهمر تنعشها فتدب فيها الحياة من جديد. وتناول الدكتور سعيد يقطين بإيجاز العلاقة بين التراث السردي العربي ورهانات المستقبل، كون السرد الروائي لم ينل حقه الكافي من الاهتمام في ثقافتنا قديمًا وحديثًا بالمقارنة مع ما حظي به الشعر، رغم أن السرد كنسق حياتي هو فعل قائم يتجلى في أبسط أنواع التواصل اليومي وصولًا إلى الثقافة العميقة. واعتبر "يقطين" الحاضر نقطة الصفر المتحولة بين الماضي والمستقبل، فهو يتداخل مع الاثنين، ولا يمكننا حاضرًا أن نفكر في المستقبل إلا على ضوء ما نأخذه من الماضي. ولفت إلى أن الغرب تجاوز مرحلة التساؤل عن حالة التراث، لأنهم نجحوا في تطويره وجعله مكونًا طبيعيًّا في حياتهم وممارساتهم اليومية، عبر اعتنائهم بمن مضى من أدباء ومفكرين وشعراء، والاحتفاء بمنجزاتهم في الجامعات والعمران، ولا يتم الاكتفاء لديهم بالتذكر الآني والاحتفاء الموسمي بتراثهم. ودعا إلى التخلص من التراكمات والرواسب المقيدة للتفكير الثقافي والأدبي المنفتح، مشددًا في الوقت نفسه على أهمية تجاوز عدد من الثنائيات المقيدة والعقد السائدة في الفكر المرتبط بالموروث الثقافي. بدوره، تَطرق سلامة الرقيعي إلى دور إمارة الشارقة في رعاية التراث والثقافة وصون الموروث الثقافي عبر جهودها ومنجزاتها ومشاريعها التي تخطت بأثرها ونفعها حدود الوطن العربي، وأسهمت في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيزها. وأشار إلى أن ارتباط التراث بين الماضي والحاضر والمستقبل هي حلقة متسلسلة متواصلة لا انقطاع فيها كما هو الأمر في انتقال الثقافات والمهارات والحرف بين الأجداد والأحفاد بصور وأنماط متطورة. وشدد مستشار التراث الثقافي لمعهد الشارقة للتراث سابقًا الدكتور أحمد علي مرسي، في مداخلته خلال الندوة، على ضرورة إعادة دور الأسر في رأب الصدع الحاصل بين الأفراد واستعادة حياتهم الطبيعية بسبب انعزالهم التكنولوجي، وتغير الكثير من العادات الاجتماعية؛ مؤكدًا أن الدخول إلى المستقبل لا بد أن يكون من بوابة التراث. وعقدت محاضرة حول دور إدارة التراث الثقافي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، قدّمها مقيم مؤهل الأعمال الإدارية في المؤسسات الثقافية بمعهد الشارقة للتراث أحمد عارف رفيق؛ فيما شهد بيت التراث العربي في ساحة التراث فقرات وفعاليات متنوعة، أهمها ندوة حول الملف الإماراتي: الأفلاجو المدرج ضمن قوائم اليونسكو، شارك فيها كل من رئيس الجمعية الجغرافية الإماراتية الدكتورة أسماء الكتبي، ومدير قسم ومواقع التراث العالمي في دائرة الثقافة والسياحة بأبو ظبي عبدالرحمن النعيمي. كما أقيمت ورشة للخط العربي، للخطاط الإماراتي الدكتور علي الحمادي. وتعرف المشاركون الراغبون في تعلم هذا الفن الجميل، على أساسيات خط الرقعة والفرق بينه والخطوط الأخرى كالثلث والنسخ؛ فضلًا عن تعريفهم بأفضل الأدوات المستخدمة لممارسة الخط وأنواع الحبر والأقلام. يُذكر أنه ستنطلق فعاليات الذيد ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية غدًا في مدينة الذيد "حصن الذيد" خلال الفترة من 13 حتى 19 مارس الجاري، تتضمن ركن المعهد، وركن الورش، الذي يتكون من 11 ورشة تراثية للأطفال والكبار، بالإضافة إلى ركن المقهى الثقافي والإدارة الأكاديمية: وتقام فيه المحاضرات، مع التعريف بالدبلومات المهنية والإدارة الأكاديمية.
مشاركة :