«ماكيت القاهرة».. حائرة بين الواقع والمجهول

  • 3/30/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منذ انطلاقتها في أبوظبي عام 2007 والجائزة العالمية للرواية العربية، تسير بخطى واثقة نحو مكافأة التّميّز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوى قراءة هذا الأدب عالمياً، من خلال ترجمة الروايات التي وصلت إلى قائمتها القصيرة، فضلاً عن اهتمامها بجودة وتكريس الإبداع الرّصين برؤية خاصة منفردة لم تكن يوماً على مقاس أيّ توجّه، علاوة على ما تمتاز به من شفافية جعلت منها محطّ أنظار كبار الأدباء العرب، وقد اعتادت «الاتحاد» أن تقدّم مع كل نسخة جديدة من الجائزة قراءات نقدية تطبيقية معاصرة لقائمتها القصيرة، وهنا قراءات لروايات النّسخة الـ 15 لعام 2022، وتتضمن 6 روايات.. المكان فضاء تشكّله الكتابة عن طريق اللّغة من خلال الوصف الذي يرسم فيه الرّاوي شخصياته، ومن خريطة مدينة إلى أطلالها يأخذنا الكاتب المصري طارق إمام، حائز جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عن روايته هدوء القتلة 2009، إلى أعظم من المكان في روايته الفريدة «ماكيت القاهرة» – منشورات المتوسط – إلى متخيّل غرائبي، ليصنع لنا بسرده البديع مدينة من فنّ، سيكتب لها الخلود، بالرّغم من أّنها ليست حقيقية، بنيت في الخيال، عكس الإنسان الذي يعرف أنّ مصيره إلى الفناء. ربما يكون أهم ما في صياغة الكاتب لأحداث روايته هو اشتغاله على الأسلوب الدائري - ابتدعه الكاتب الروسي أنطون تشيخوف-، حيث كل شيء دائري، بداية من الزّمن وانتهاء بالمكان، وبينهما الإنسان ذلك المحطّم تقريباً، لكنه في ذات الوقت المقاوم على طريقته، في ثنائيات قلما وجدناها في أعمال عربية أخرى، لدينا القاهرة بعالمها الواقعي والمجهول، ليست المدينة المعجزة، وإنما باعتبارها صورة مدينة على مرآة مدينة أخرى، بحيث تتماهى المدينة الحقيقية بشخوصها الحقيقيين مع صورة المدينة المزيفة، والتي يعيش داخل محيطها الثابت مكانياً ثلاثة شخوص رئيسة: «أوريجا، نود، وبلياردو»، ولدينا شخصيات هم ضحايا أكثر من كونهم أبطالاً، ومن وراء الجميع ذلك المجهول «منسي عجرم» بكتابه الغريب الذي يكتب أقدار الجميع، رواية الخيال الفنّي التي تحكي عن القاهرة وعن أسرة غرائبية وعن مدينة عظيمة ومشروع لصنع ماكيت لها، مع إسقاطات ومقاربات عن عوالم متوازية في نفس الإنسان قبل أن تكون خارجه، ومرويات عن تضخّم وتقزّم واختفاء الأبنية والأحلام الجميلة، وعن العبث وقوانين يضعها بعض المسؤولين، وأخرى تضعها الحياة والنّاس، عن مقاومة اندثار المدن واختفاء أثرها ضمنياً، كل هذا السّرد يأتينا بنفس ملحمي ممتد، قائلاً: «لا أحد يندهش في القاهرة والأسفلت يتشرّب بالتّساوي الدماء والمطر والقلق، ثم ينشّفها جميعا لتعود المدينة إلى جفافها ورطوبتها وسخونة هوائها، كأنها ظهيرة أبدية على تبدّل الفصول والمواقيت». طارق إمام (مواليد 1977) كاتب مستشرف ليس لكونه ينقلنا بروايته إلى القاهرة سنة 2045، وتمثلات ذلك المتخيل، حيث يعلن غاليري للفنون عن مشروع فنّي يهدف لتشييد واستعادة شكل القاهرة العاصمة السّابقة قبل 25 عاماً، بل لأنه يلعب بمهارة على أوتار الواقع المصري بكل تحولاته الاجتماعية والسياسية والثقافية من بوابة الحلم والفانتازيا، عبر تحرّره من المنطق، باستدعاء المستقبل والخيال، ليمزج بينه وبين الواقع، لتلتقي الأزمنة المختلفة وتتقاطع على شرفة المكان، حيث يعدّ الزّمن خدعة، والأماكن نسخ مكرّرة، والناس مزيج من وهم وحضور، ويدور جوهر ذلك الصراع حول «ثيمة المحو»، طارحا سؤال الهوية والوجود، ليبقى خدش الرواية قائماً: هل تستطيع الأمكنة المتخيّلة أن تحلّ محل الأمكنة الواقعية، في ظلال عدم وجود مدينة بريئة تماماً..؟.

مشاركة :