الخطاب الديني.. تحديات الجمود وآفاق التجديد

  • 3/31/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ينصب‭ ‬تعريف‭ ‬مفهوم‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬الفقهية‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬البشري‭ ‬للخطاب،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬مصطلح‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬وفق‭ ‬رؤيتهم‭ ‬يشير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الآراء‭ ‬والأفكار‭ ‬والتفسيرات‭ ‬والتأويلات‭ ‬التي‭ ‬يصوغها‭ ‬البشر‭ ‬حول‭ ‬دينهم،‭ ‬نتيجة‭ ‬اتفاقهم‭ ‬أو‭ ‬اختلافهم‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬فهمهم‭ ‬لنصوصه‭ ‬المقدسة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬استنباطهم‭ ‬الآراء‭ ‬والأحكام‭ ‬وما‭ ‬ينتسب‭ ‬إلى‭ ‬عقولهم‭ ‬بحكم‭ ‬بشريتها‭ ‬للإصابة‭ ‬والخطأ،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يبرز‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الخطاب‭ ‬السقراطي‭ ‬والأفلاطوني‭ ‬المنحصر‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬الفكري‭ ‬المجرد،‭ ‬المتسم‭ ‬بالتعالي،‭ ‬ليدل‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬قيمي‭ ‬متوجه‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كافة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬مستوياتهم‭ ‬وعصورهم،‭ ‬حيث‭ ‬يتسم‭ ‬بالعالمية،‭ ‬كما‭ ‬يتسم‭ ‬بالجمع‭ ‬بين‭ ‬مثال‭ ‬القيمة،‭ ‬وواقع‭ ‬الحياة‭ ‬الحضارية‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬الإنساني،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬آخرون‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬البيان‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬مسلمين‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مسلمين‭ ‬لدعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬وتعليمه‭ ‬لهم،‭ ‬وتربيتهم‭ ‬عليه‭ ‬عقيدةً‭ ‬أو‭ ‬شريعةً،‭ ‬عبادةً‭ ‬أو‭ ‬معاملةً،‭ ‬فكرًا‭ ‬أو‭ ‬سلوكًا،‭ ‬أو‭ ‬لشرح‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الحياة‭ ‬والإنسان‭ ‬والعالم،‭ ‬فردية‭ ‬أو‭ ‬جماعية،‭ ‬نظرية‭ ‬أو‭ ‬علمية،‭ ‬الذي‭ ‬يتمحور‭ ‬مضمونه‭ ‬حول‭ ‬الإسلام،‭ ‬بيانًا‭ ‬أو‭ ‬عرضًا‭ ‬له،‭ ‬وتحليلاً‭ ‬أو‭ ‬نقدًا‭ ‬لنصوصه،‭ ‬ودعوةً‭ ‬إليه‭ ‬أو‭ ‬صدًا‭ ‬عنه،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الفقهي‭ ‬أو‭ ‬العقائدي‭ ‬أو‭ ‬الفكري،‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬صدر‭ ‬حديثا‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات‭ ‬بدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬للباحثين‭ ‬د‭. ‬وجدان‭ ‬جاسم‭ ‬فهد‭ ‬وخالد‭ ‬فياض‭ ‬حيث‭ ‬ذهبت‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يتسم‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬بالسعة‭ ‬والشمول،‭ ‬بقدر‭ ‬سعة‭ ‬الإسلام‭ ‬وشموله،‭ ‬فهو‭ ‬يشمل‭ ‬الفرد‭ ‬بجسمه،‭ ‬وعقله،‭ ‬وروحه،‭ ‬ووجدانه،‭ ‬ويشمل‭ ‬الأسرة‭ ‬بمعناها‭ ‬الواسع‭ ‬بعلاقاتها‭ ‬الزوجية،‭ ‬والأبوية‭ ‬والتراحمية،‭ ‬ويشمل‭ ‬المجتمع‭ ‬بكل‭ ‬طبقاته‭ ‬وتكويناته‭ ‬الدينية،‭ ‬والعرقية،‭ ‬واللغوية،‭ ‬وقضاياه،‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬عزل‭ ‬للخطاب‭ ‬الديني‭ -‬كما‭ ‬رأت‭ ‬الدراسة‭- ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية،‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وحوار‭ ‬الحضارات،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومن‭ ‬ثَّم‭ ‬كان‭ ‬لزامًا‭ ‬أن‭ ‬يتناول‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬والقضايا،‭ ‬وإعلان‭ ‬رأى‭ ‬توجه‭ ‬الدين‭ ‬بشأنها،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ - ‬طبقا‭ ‬لهذا‭ ‬الاتجاه‭- ‬يكون‭ ‬بمثابة‭ ‬الضابط‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬والروحي‭ ‬لقضايا‭ ‬السياسة،‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬والاجتماع،‭ ‬وليس‭ ‬وسيلة‭ ‬يستخدمها‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي،‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربه‭.‬ ولمّا‭ ‬كان‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬هو‭ ‬خطاب‭ ‬بشري‭ ‬يتعلق‭ ‬بفهم‭ ‬نصوص‭ ‬الشريعة‭ ‬ومرادها،‭ ‬فهو‭ ‬يتأثر‭ ‬بالمرجعية‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية،‭ ‬مما‭ ‬تدعو‭ ‬الحاجة‭ ‬المستمرة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬مراجعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والنص‭ ‬المقدس،‭ ‬ولعل‭ ‬أبرز‭ ‬من‭ ‬نادى‭ ‬بذلك‭ ‬الفيلسوف‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬رشد‮»‬،‭ ‬فالنص‭ ‬المقدس‭ ‬لا‭ ‬تنكشف‭ ‬حقيقته‭ ‬إلا‭ ‬بالعقل،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬تناقض‭ ‬ظاهر‭ ‬النص‭ ‬مع‭ ‬العقل،‭ ‬وجب‭ ‬الأخذ‭ ‬بما‭ ‬يقتضيه‭ ‬العقل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نيل‭ ‬من‭ ‬الجوهر‭ ‬الديني‭.‬ وطالما‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬هو‭ ‬اجتهادات‭ ‬علماء‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬الثوابت‭ ‬التي‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬مستجدات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬والمعرفة،‭ ‬والتي‭ ‬تصل‭ ‬مشافهةً،‭ ‬أو‭ ‬مسجلة،‭ ‬أو‭ ‬مكتوبة،‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور‭ ‬فتكسبه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬متغيرات‭ ‬العصر،‭ ‬وعلى‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بالكفاءة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬فإن‭ ‬الحاجة‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬وتجديد‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬العصر،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬وأفكار‭ ‬وتوجهات‭ ‬بمختلف‭ ‬ألوانها‭ ‬وأنواعها‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وفكرية‭ ‬ودينية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬لأن‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬هو‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الإبداع،‭ ‬والتحسين،‭ ‬والإجادة،‭ ‬والتوليد‭ ‬المتواصل‭ ‬للأفكار‭ ‬والأساليب‭ ‬والأطر‭ ‬الشكلية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬المضمون‭ ‬ذاته،‭ ‬ويرتقي‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬التقليدي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الإبداع‭ ‬فيه‭ ‬لغةً‭ ‬وأفكارًا‭ ‬وأساليب‭ ‬اتصال‭ ‬وإقناعا‭.‬ ولكن‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬المعاصر‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬تنبع‭ ‬جميعها‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬التجديد‭ ‬وتقليدية‭ ‬الخطاب‭ ‬وبعده‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭ ‬ما‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬مسلمين‭ ‬وغير‭ ‬مسلمين‭ ‬ضرورة‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬تارة‭ ‬بالتحديث‭ ‬والتطوير،‭ ‬وتارة‭ ‬ثانية‭ ‬بالإقصاء‭ ‬والاستبعاد،‭ ‬وتارة‭ ‬ثالثة‭ ‬بالاشتباك‭ ‬الحواري‭ ‬المتدرج،‭ ‬وهي‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬التقاربات‭ ‬أفرزت‭ ‬بعضها‭ ‬صدامات‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬أحيانا‭ ‬وبين‭ ‬المجتمع‭ ‬حينا‭ ‬آخر،‭ ‬وقد‭ ‬شهدنا‭ ‬ظهور‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬لاحقا‭ ‬باسم‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬والتي‭ ‬انتشرت‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الحساسية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إسلامي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭. ‬ إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬أحقاب‭ ‬زمنية‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التراخي‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬ما‭ ‬أفرز‭  ‬أجيالا‭ ‬فيها‭ ‬أناس‭ ‬مغيبون‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أو‭ ‬المندمجون‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الظاهري‭ ‬النصي‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬جزئها‭ ‬الحركي‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬الحركات‭ ‬السياسية‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬اصطدمت‭ ‬بالسلطة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أدت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭. ‬ وتطالب‭ ‬الدراسة‭ ‬بضرورة‭ ‬وجود‭ ‬عقل‭ ‬آخر‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬نظرة‭ ‬تعاونية‭ ‬تعايشية‭ ‬تكاملية‭ ‬غير‭ ‬صدامية‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورة‭ ‬تقتضي‭ ‬من‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الخطاب‭ ‬ضرورة‭ ‬إحداث‭ ‬ثورة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬تجديده،‭ ‬ثورة‭ ‬تسمح‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬يشترك‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬موسع‭ ‬مستدام‭ ‬ومتواصل‭ ‬حول‭ ‬ضرورة‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عقلي‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬نقلي،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مقدس‭ ‬إلهي‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬عقيدي‭ ‬بشري‭ ‬اجتهادي،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬منفتحًا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الآراء‭ ‬والأفكار‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬اليسار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إقصاء‭ ‬أو‭ ‬تخوين‭ ‬أو‭ ‬تسفيه،‭ ‬تحت‭ ‬الرعاية‭ ‬والحماية‭ ‬الكاملة‭ ‬للدولة‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة‭ ‬القوية‭ ‬والمتماسكة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تفريط‭ ‬في‭ ‬أركانها‭ ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬في‭ ‬قيمها،‭ ‬وبإيمان‭ ‬كامل‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬الحوار‭ ‬وبداياته‭ ‬تقتضي‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الحرفية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أقطابه‭ ‬ومختلفيه‭ ‬بشكل‭ ‬استيعابي‭ ‬احتوائي‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الجميع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬وطن‭ ‬واحد‭ ‬يؤمنون‭ ‬به‭ ‬ويتعايشون‭ ‬معه‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭ ‬الموصوفة‭ ‬بالعنف‭ ‬والتي‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬الوسيلة‭ ‬والهدف‭ ‬لإقامة‭ ‬دولتها‭ ‬المتخيلة‭.‬ {‭ ‬خبير‭ ‬بمركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث ‭ ‬والاستشارات‭ - ‬دولة‭ ‬الإمارات

مشاركة :