لا شك في أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي صارت متخمة بالكثير من المحتوى الذي يدور عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا. ولكن إلى جانب مقاطع الفيديو والصور المروعة، فإن حرب معلومات واسعة النطاق تتكشف على الجبهة الرقمية، مع وجود "بادِئ رئيسي" واحد فقط لها -- الولايات المتحدة. في ظل هيمنة الخطاب الغربي، من الواضح أن واشنطن غير مهتمة بنشر الحقائق أو الحقيقة. وفيما يلي التكتيكات الأمريكية الشائعة المستخدمة لتضليل الجمهور العالمي بشأن الأزمة الأوكرانية. أولا، إثارة الاضطرابات وتشجيع العداء. في نهاية العام الماضي، عندما تصاعدت التوترات على الحدود الروسية الأوكرانية، اختارت الولايات المتحدة تأجيج نيران الخلاف. وبدءا من البيت الأبيض وصولا إلى المصورين في صحافة التابلويد الأمريكية، استمرت التقارير الاستخباراتية المزعومة والإشاعات الساخنة في الظهور، ما أدى إلى نشر "ضباب الحرب". وعملوا على ترويج تصريحات من مصدر مجهول مفادها أن وراء الصراع تكمن نية تغيير النظام وسلطوا الضوء على معلومات استخباراتية تتهم روسيا بـ"اختلاق ذريعة للغزو". وفي مطلع يناير، دعا مسؤولو وزارة الخارجية المدنيين الأمريكيين إلى مغادرة كييف. علاوة على ذلك، وصلت إلى مسامع الجمهور أقاويل عن هجوم عسكري وجداول زمنية وتفاصيل أخرى، وكل ذلك قامت به الولايات المتحدة لإثارة مؤامرات متعلقة بالصراع. وكتبت عضو الكونغرس الأمريكي سابقا تولسي غابارد في تغريدة على تويتر تقول "كان من الممكن تجنب هذه المعاناة بسهولة لو أن إدارة بايدن وحلف الناتو أدركا ببساطة الشواغل الأمنية المشروعة لروسيا بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو". لكن الولايات المتحدة اتخذت خطوات أدت إلى تفاقم التوترات، بما في ذلك التراخي في التعامل مع المسودات التي اقترحتها روسيا بشأن الضمانات الأمنية، ومعاملة موسكو ببرود عندما طلبت الأخيرة إجراء حوار، ما أدى بالتالي إلى زيادة حدة التوترات. ثانيا، الاعتماد على المعايير المزدوجة. ظهرت المعايير المزدوجة مرة أخرى في الأزمة الأوكرانية. فبينما تنهمك الولايات المتحدة في المطالبة بفرض عقوبات على روسيا بسبب "انتهاكات القانون الدولي"، فإنها تلتزم الصمت عند سؤالها عن جرائمها، بما في ذلك الترويج لمبدأ مونرو في أمريكا اللاتينية، وقصف يوغوسلافيا دون أساس قانوني، وغزواتها لأفغانستان والعراق وسوريا. أين هي توبة الولايات المتحدة ومسؤوليتها الواجبة؟ أخذت الولايات المتحدة تروج لمبادئها النيوليبرالية، مثل إزالة الحدود الوطنية في الثقافة والرياضة وحرمة الملكية الخاصة. ولكن منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، تم تجميد الأصول الروسية في الخارج واستبعاد الفنانين والرياضيين واضطهادهم. ولم تفلت القطط والأشجار الروسية وبحيرة البجع من العقاب. وبينما أخذت الولايات المتحدة تتشدق بالألفاظ حول المدنيين الأوكرانيين، إلا أنها صمت آذانها عن معاناة الناس في الشرق الأوسط وأفريقيا. على مدى عقدين من الزمن، ضربت الولايات المتحدة أفغانستان، وعلى الرغم من انسحاب قواتها العام الماضي، لا يزال المعتدي يحجب مليارات الدولارات من الأموال المنقذة للحياة عن الشعب الأفغاني. ثالثا، دع الشائعات تنتشر. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للمعلومات أن تتجاوز رصاصة واحدة، في حين أن قوة القصة يمكن أن تتجاوز قوة الدبابة. هذا ما اتبعته آلة الدعاية الأمريكية ووضعته موضع التنفيذ. عندما إضافة مشاهد مفجعة إلى سرد القصص الشخصية، إلى جانب الزج بكلمات عاطفية للضرب على وتر حساس لدى الجمهور، تُولد قصة جذابة. لكن ماذا عن الواقع؟ فقد وصفت وسائل إعلام أمريكية مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع يظهر أبا أوكرانيا وهو يبكي عند وداع ابنته بأنه "لمحة مروعة عن الكيفية التي يؤدي بها الصراع في أوروبا الشرقية إلى تمزيق العائلات". لكن تم التحقق من الفيديو لاحقا ليتبين أنه قد سُجل قبل الصراع. اختار الأب في الواقع البقاء في دونيتسك للدفاع عن المنطقة ضد القوات المسلحة الأوكرانية. وهناك مقطع فيديو آخر تم تداوله كثيرا حول طيار مقاتل أوكراني غامض يطلق عليه اسم "شبح كييف" وهو يسقط طائرة روسية. ولكن كان الفيديو مزيفا أيضا، حيث نشأ من لعبة محاكاة قتال رقمية. في 5 فبراير 2003، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول العراق، قدم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول أنبوب اختبار يحتوي على مسحوق غسيل، مدعيا أنه دليل على أن العراق كان يطور أسلحة كيميائية. في أوائل عام 2021، وبدعم مالي من الولايات المتحدة، قامت الخوذ البيضاء، المعروفة أيضا باسم الدفاع المدني السوري، بتزييف مقاطع فيديو لغارات جوية مزيفة وهجمات كيميائية على مدنيين. بالنسبة لبعض الساسة ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة، لا تعني الحقيقة شيئا طالما أنهم يستطيعون فبركة الرأي العام. رابعا، رقابة وتعليق وصمت. في يناير 2021، قامت شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، بما في ذلك تويتر وفيسبوك وسنابشات، بتعليق حسابات الرئيس السابق دونالد ترامب، وعزت ذلك إلى التحريض المحتمل على العنف. الآن، ينصب التركيز على روسيا. قام الاتحاد الأوروبي بإيقاف بث وسيلتين إعلاميتين روسيتين رئيسيتين-- سبوتنيك وروسيا اليوم -- في جميع أنحاء أوروبا. وقطعت شركة ميتا للتواصل الاجتماعي وصول المستخدمين الروس إلى فيسبوك وإنستغرام، لكنها سمحت مؤقتا للمستخدمين في بعض البلدان بنشر محتوى عنيف معاد لروسيا. وقامت يوتيوب ونتفليكس وجوجل بحظر القنوات الروسية. وسرعان ما يتم إسكات أي صوت مؤيد قليلا لروسيا. فقد وجد العديد من السكان في شرق أوكرانيا أنه قد تم حظر حساباتهم من قبل منصات تواصل اجتماعي مباشرة بعد قيامهم بنشر محتوى متعلق بروسيا. وكانت المخرجة السينمائية والمراسلة الفرنسية آن لور بونيل قد قالت لقناة ((سي نيوز)) إن قصف الجيش الأوكراني تسبب في مقتل مدنيين في دونباس. وتم في وقت لاحق إزالة فيلمها الوثائقي ((دونباس)) من يوتيوب، وحذفت صحيفة ((لوفيغارو)) مقالها عن حياة أهالي دونباس. كما تجاهلت الولايات المتحدة بشكل انتقائي أصواتا مختلفة جاءت من بلدان أخرى. فقد انطلقت مظاهرات مناهضة للولايات المتحدة والناتو في بلغاريا وتركيا وبلدان أخرى. ورفع مشجعو كرة القدم الصربية لافتات عملاقة في أحد الملاعب تنتقد عقودا من التدخلات العسكرية للولايات المتحدة والناتو. ولا تتوقعوا رؤية هذه الأحداث في وسائل الإعلام الأمريكية. خامسا، إدخال أسلوب العرض المسرحي. تحجم معظم الدول عن الانحياز لأي طرف في الصراع وتفضل حلا دبلوماسيا لإنهاء القتال. غير أن الولايات المتحدة تحاول حشد الدعم للتنديد بروسيا. فقد ناشدت الدول الأعضاء في الناتو ومجموعة السبعة بأن يلقوا باللائمة على موسكو في الصراع وحشدت الدول الأوروبية لتقديم "عرض مسرحي". وقد عرضت وفود دمى حيوانات محشوة وأعلام أوكرانية وشعارات في الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس. وعندما ألقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كلمة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خرج عشرات الدبلوماسيين من القاعة. وأصبحت قاعة المؤتمرات، التي كان من المفترض أن تكون مكانا مهيبا لكي تتبادل فيه الدول الأفكار حول القضايا العالمية الكبرى، مسرحا سياسيا للولايات المتحدة لإشعال المواجهة.
مشاركة :