مازالت غالبية الأعمال المقرر عرضها في طور استكمال الكتابة والتصوير، ومتوقع أن يستمرّ العمل في العدد الأكبر من المسلسلات أثناء فترة عرض حلقاتها الجاهزة، ما يهدّد بتقديم أعمال يمكن وصفها بـ”الاستهلاكية” دون أن تترك بصمة واضحة على مستوى ارتباط الجمهور بها والقضايا التي تناقشها. ويترجم هذا التّأخير في تصوير الأعمال الدرامية اتجاه الجزء الأكبر نحو الدراما الاجتماعية والأعمال الكوميدية التي تتّسم بسهولة التأليف والتنفيذ، مقارنة بدراما الأكشن أو تلك التي تعالج ملفات أمنية. التضحية بالجودة ماجدة خيرالله: أزمة التأخير تتفاقم هذا العام مع عودة الشركات الإنتاجية الخاصة لأن هناك مخاوف من الخسارة اضطر القائمون على إنتاج مسلسل “جزيرة غمام” بطولة طارق لطفي ومي عزالدين للاستعانة بوحدة تصوير ثانية للحاق بالموسم الحالي، الأمر الذي تكرر في مسلسلات أخرى مثل “أحلام سعيدة” بطولة يسرا وغادة عادل، والذي يواجه أزمة أخرى ترتبط بعدم الانتهاء من كتابة مشاهده بعد، ما دفع القائمين عليه لبدء تصوير الحلقات الأولى انتظارا لتأليف باقي الحلقات. واستعان مسلسل “SUITS بالعربي” بمخرج الوحدة الثانية عصام عبدالحميد لإخراج المسلسل بعد انسحاب مخرجته مريم أحمد، ولا يزال العمل في طور تصوير حلقاته العشر الأولى، كما واجه مسلسل “المداح” الجزء الثاني أزمة أخرى نتيجة انسحاب الفنان كمال أبورية، وبعد محاولات عديدة جرى إقناعه بالعودة، غير أن العمل اصطدم بمشكلة عدم الانتهاء من تصوير غالبية مشاهده قبل أيام من بدء عرضه. وتتنافى أوضاع تصوير مسلسلات موسم رمضان الحالي مع مساعي العديد من الجهات لتحسين جودة المحتوى المعروض، وهو ما يهدد بتكرار مشكلات المواسم الماضية التي فشل فيها عدد كبير من الأعمال تحقيق نتائج إيجابية، وكان ذلك سببا في تراجع انتشار الدراما المصرية. وهو ما يشير إلى أن المشكلة لا تتمثل فقط في كثرة الأعمال أو قلتها، إذ يكمن العائق في توفير الأجواء المناسبة لتقديم أعمال إبداعية، سواء أكان ذلك على مستوى عدم التقيد بأفكار بعينها أم على المستوى الإنتاجي مع وجود العديد من التخوفات لدى المنتجين من الانخراط في السوق الدرامي بعد سنوات من التوقف. وتقلّص الإنتاج الدرامي الرمضاني الذي تقوم به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إلى النصف تقريبًا هذا العام، إذ تقدم 14 عملاً بالشراكة مع 9 شركات إنتاج أخرى، إلى جانب إنتاج 16 عملاً تقدمها شركات إنتاجية خاصة أو عبر إنتاج مشترك مع شركات عربية. وأرجع نقاد تأخر التصوير في مواسم رمضان السابقة إلى كثافة الإنتاج ومشاركة العديد من الفنانين في أكثر من عمل، وهو أمر لم يعد حاضراً بنفس المستوى هذا العام، بعد أن جرت عملية إعادة ترتيب المشهد ليقف العدد عند ثلاثين، وربما أكثر أو أقل قليلاً من ذلك. سمير الجمل: ورش الكتابة التي يعتمد عليها منتجو الدراما في العدد الأكبر من الأعمال تشكل سبباً رئيسيًا في وضع التصوير وتقول الناقدة الفنية ماجدة خيرالله إن السبب الرئيسي يرجع إلى شركات الإنتاج التي تنتظر أولاً الاتفاق مع القنوات التي تقوم بشراء الأعمال التي تقدمها وترفض دفع أيّ مبالغ دون ضمان تحقيق الأرباح من عملية تسويق المسلسل، وفي أغلب الأحيان يجري تصوير من خمسة إلى سبع حلقات لتسويق العمل والانتظار لما بعد إتمام الاتفاقات لاستكمال الكتابة والتصوير. وتضيف في تصريح لـ”العرب” أن الأزمة تتفاقم هذا العام مع عودة الشركات الخاصة، لأن هناك مخاوف من الخسارة، عكس السنوات الماضية التي كانت تحضر فيها شركة إنتاج واحدة مدعومة من الدولة. كما أن القنوات العربية ذاتها أضحت لا توافق بسهولة على عرض الأعمال وقد تلجأ إلى استقطاب مسلسلات بأسعار منخفضة وإن كانت لم يبدأ بعد تصويرها، ويبقى العامل الأهم بالنسبة إليها هو تسلم الحلقات الجديدة قبل موعد عرضها بوقت كاف. وتشير خيرالله إلى أن هناك مشكلات تتعلق بطرق تنفيذ المسلسلات المصرية التي كانت تقوم على وجود مؤلفين وكتاب لديهم خبرات طويلة ويرفضون تدخلات أبطال العمل في سير أحداث المسلسل، الأمر الذي اختلف بشكل كبير حاليا، إذ أن شركة الإنتاج تبحث أولاً عن بطل العمل الذي تكون له آراء وتعديلات غالبا على ما تقدّمه ورش الكتابة من محتوى، وفي النهاية يجري تأجيل التصوير حتى يتسنّى الوصول إلى رؤية توافقية. ولدى العديد من منتجي الدراما قناعة بأن الأوضاع الراهنة لا تقود لتقديم أعمال درامية ناجحة، ودائما ما يظهر التعب والإرهاق على أبطال العمل وقد يجري استنزافهم في مواقع التصوير لساعات طويلة خلال شهر رمضان، بالتالي تتم التضحية بجودة العمل على حساب تحقيق المكاسب المادية. وتواجه شركات الإنتاج الفنّي في مصر العديد من الانتقادات لإدارة أعمالها بشكل خاطئ، حيث يجري ضخ أموال في أعمال فنية غير واضحة المعالم نتيجة عدم الانتهاء من كتابتها، فيما تستمرّ عملية الكتابة في أوقات التصوير، ويجعل ذلك معالم الشخصية غير واضحة بشكل كليّ أمام الممثل ما يؤثر على تقمص الفنان الدور الذي يؤديه. غياب الكبار أوضاع تصوير مسلسلات موسم رمضان الحالي تتنافى مع مساعي جهات عديدة لتحسين جودة المحتوى المعروض في الكثير من الحالات يكون التأخر في بدء عملية تنفيذ الأعمال الدرامية سبباً في خروجها من الموسم، كما الحال بالنسبة إلى مسلسل “لام الشمسية” بطولة منى زكي وجرى إرجاء عرضه في اللحظات الأخيرة، ومسلسل “عالم موازي” بطولة دنيا سمير غانم وكان مقرر عرضه في رمضان الماضي وتوقّف بعد مرض الفنان سمير غانم وزوجته دلال عبدالعزيز بفايروس كورونا ثم وفاتهما دون استكمال التصوير. وقادت المعادلة الجديدة في الإنتاج والتأليف إلى ابتعاد بعض النجوم لمواسم عديدة لعدم التماشي مع أوضاعهم الصحية وظروفهم السنية للبقاء أياما متتالية في مواقع التصوير، ما ساهم في غياب الفنان يحيى الفخراني عن موسم رمضان الحالي، واختيار محمود حميدة لعرض مسلسله “نقل عام” بعيداً عن موسم دراما رمضان، وغياب الفنان عادل إمام الذي وضع ضوابط في أثناء عملية التصوير بحيث لا يستمر لفترات طويلة على مدار اليوم الواحد مراعاة لظروفه الصحية. ويوضح الناقد الفني سمير الجمل، أن ورش الكتابة التي يعتمد عليها منتجو الدراما في العدد الأكبر من الأعمال المقدمة تشكل سبباً رئيسيًا في عملية التصوير، وفي حين أنها تقوم على تأليف العمل الواحد من خلال أكثر من شخص لكن في النهاية تعاني من مشكلات البطء الشديد في الانتهاء من التأليف إلى جانب عدم جودة المنتج الذي تقدمه ما يؤدي لإدخال تعديلات عديدة على ما تقدمه. ويلفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن التأخير في أحيان عديدة يرجع لأن القائمين على إنتاج الأعمال لديهم تخوفات من عدم القبول بعرضها نتيجة ضعف المحتوى ويضعون الفضائيات أمام أمر واقع، والبعض الآخر يختار التكتم على عملية التصوير خشية من تعرّضه لانتقادات تؤدي لوقف عرضه كما حدث مع مسلسل “الملك أحمس” العام الماضي. ويشير إلى أن التأخير في سنوات ماضية كان وسيلة للهروب من مقصّ الرقابة، حيث من الصعب مشاهدة كافة حلقات المسلسلات مع تقديمها بشكل يومي أثناء رمضان، وفي ظل الأوضاع الراهنة ومراجعة الشركة المتحدة لكافة المحتويات التي تنتجها لم تعد هناك حجة إلى التأخير، وهذا العام تراجعت إصابات كورونا وكان من المفترض أن تكون هناك إجراءات احترازية لمواجهة أيّ ظروف غير طبيعية طارئة. ويرجع غياب كبار المؤلفين لعدم قدرتهم على التماشي مع المستجدات الحالية، وبالرغم من توقيع عقود لتأليف أعمال درامية بين الشركة المتحدة مع المخرج جلال عبدالقوي لكنها لم تر النور، بينما المتأثر الأول هو الدراما المصرية التي تراجعت بصورة كبيرة وكانت ستتعرض لمزيد من الخسائر حال لم تتدخل الدولة لتقديم أعمال قوية مثل مسلسل “الاختيار”، غير أنه رهان يفقد بريقه مع توالي تكرار القضية نفسها.
مشاركة :