لم تتحرر الدراما التونسية كليا من سجن السباق الرمضاني الذي لا يزال فرصتها الوحيدة للتنافس، وكل عام تتجند عدسات المخرجين لتقديم مسلسلات تؤثث سهرات التونسيين المتعطشين لأجواء رمضان كما كانت في الماضي، لكن أغلب منتجي الأعمال التلفزيونية في تونس يتخذون الطريق الأسهل فلا يحاولون تقديم أعمال تخلد في أذهان المشاهدين بل ينساقون وراء ما يفرضه السوق. اختفى شبح كورونا بنسبة كبيرة ورفع يديه عن قطاع الدراما الذي قيّده لنحو سنتين وقدم له أسبابا مجانية تمكن أهل القطاع من محاججة كل من ينتقد انسياق الإنتاج الدرامي في تونس نحو مسلسلات الأجزاء والمسلسلات الكوميدية و”السيتكومات” الهزلية المقتبسة في أغلبها من “كليشيهات” يتداولها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي. وكالسنوات السابقة، ستعرض القنوات التلفزيونية التونسية، عمومية وخاصة، مجموعة مقتضبة من المسلسلات، ينحصر معظمها في كونه جزءا ثانيا لعمل نجح سابقا ومن المضمون بنسبة كبيرة نجاحه هذا العام، وقليلة هي الأعمال الجديدة، لكنها تنسب لجهات معيّنة اتبعت نسق الدراما العنيفة والصادمة المقتبسة من الواقع والمؤثرة فيه سلبا على حد السواء. المنتجون والمخرجون لا يحاولون التحرر في رمضان وتقديم الجديد ولا حتى تغيير منطق العرض والطلب السائد وانساق غالبية المنتجين والمخرجين الكبار والحاضرين كل عام في الموسم الرمضاني مثل سامي الفهري وعبدالحميد بوشناق، الذي صنع في فترة وجيزة اسما في المجال الدرامي والسينمائي، وراء تيار مسلسلات الأجزاء، شعارهم في ذلك حين ينجح مسلسل ننجز له جزءا ثانيا ولم لا ثالثا ورابعا لكننا لا نغامر بسهولة لإنتاج أعمال جديدة، وذلك بالرغم من أن سوق الدراما التونسية محدود، ولا يزال يرتهن للموسم الرمضاني ولا يكسر القيود ويحاول تقديم أعمال تلفزيونية على طول العام. ورغم كل ذلك لا يحاول المنتجون والمخرجون التحرر في رمضان وتقديم الجديد ولا حتى تغيير منطق العرض والطلب السائد في تونس منذ سنوات التسعينات التي شهدت حركة درامية مهمة كانت معظم إنتاجاتها خالدة لليوم وتلقى إقبالا كبيرا على مشاهدتها سواء في رمضان أو خارجه. وتبث القناة الوطنية الأولى الجزء الثاني من مسلسل “حرقة: الضفة الأخرى” للمخرج الأسعد الوسلاتي والذي حقق جزؤه الأول العام الماضي نجاحا غير مسبوق، فهو مستوحى من مأساة “الحرقة” أو ما يطلق عليها إعلاميا الهجرة عبر قوارب الموت التي تعاني منها تونس والدول المغاربية منذ سنوات وباتت تؤثر على علاقاتها مع الدول الأوروبية. والمسلسل يتكوّن من 20 حلقة، وهو قصة وإخراج الأسعد الوسلاتي، وسيناريو وحوار عمادالدين الحكيم، وبطولة منى نورالدين ووجيهة الجندوبي ورياض حمدي وياسمين بوعبيد ونادية بوستة وغيرهم. وسيعرض التلفزيون الرسمي، أيضا، الجزء الثاني من سلسلة “كان يا مكانش” للمخرج بوشناق في كتابة مشتركة مع حاتم بالحاج وعزيز الجبالي، وبطولة نورالدين بن عياد والمنجي العوني وفتحي الهداوي وكمال التواتي وفيصل بالزين ونعيمة الجاني وسوسن معالج ومعز القديري وآخرين، وترصد السلسلة منذ جزئها الأول أحداثا وظواهر اجتماعية في سياق زمني ومكاني خيالي يتم إسقاطها على الواقع التونسي. مأساة "الحرقة".. مرآة الواقع التونسي مأساة "الحرقة".. مرآة الواقع التونسي وستقتصر البرمجة حسب تصريحات للمكلف بالاتصال إلياس الجراية على هذين العملين اللذين أنتجتهما دون بث أي عمل عربي أو أجنبي مدبلج، كما أنها ستعيد بث بعض الإنتاجات الدرامية المحلية مثل “صيد الريم”، و”أخوة وزمان” و”الدوامة” و”يوميات امرأة”، وذلك تشجيعا للإنتاج الدرامي التونسي المحلي رغم أن هذه الأعمال تعرض منذ أعوام على الأقل مرتين سنويا على الشاشة الوطنية الثانية. وسينافس على غرار العام الماضي أيضا مسلسل “الفوندو” للمخرجة سوسن الجمني في كتابة مشتركة مع عزيز الجبالي، وبطولة نضال السعدي وكمال التواتي ونعيمة الجاني وسهير بن عمارة ومروان نوردو ونصاف بن حفصية. ويعرض المسلسل على شاشة الحوار التونسي في جزئه الثاني أيضا، وعالج “الفوندو” في جزئه الأول العديد من القضايا الحارقة في المجتمع التونسي على غرار المخدرات والتهريب وانهيار القيم الاجتماعية والأخلاقية مع تضمين رسائل سياسية وانتقادات لأصحاب السلطة والقرار. أما الجزء الثاني فسيتطرق إلى تنامي ظواهر الفساد في تونس كالمافيا والاقتصاد الموازي. وستبث القناة مسلسلا جديدا للمخرج سامي الفهري بعنوان “براءة”، وهو عمل درامي اجتماعي يجمع بين التشويق والإثارة ويروي قصة فتاة اسمها براءة (عزة سليمان) وما ستتعرض له من مشاكل بسبب براءتها. القنوات التلفزيونية التونسية، عمومية وخاصة، ستعرض مجموعة مقتضبة من المسلسلات ينحصر معظمها في كونه جزءا ثانيا لعمل نجح سابقا ويناقش المسلسل تابوهات وخطوطا حمراء مسكوتا عنها في المجتمع التونسي. وحسب ما توضحه التصريحات الأولية للقائمين على المسلسل والممثلين، فإنه لا يحيد عن أسلوب الفهري عامة والذي اعتمد منذ مسلسل “مكتوب” ومسلسل “أولاد مفيدة” الدراما الاجتماعية العنيفة المقتبسة من الواقع والتي تعري جزءا من الحياة والعلاقات الاجتماعية في أحياء تونس وخاصة الشعبية منها. كما ستعرض الشاشات التونسية مسلسلات قصيرة من نوع السيتكوم ومنها “فندق المغرب العربي” وهو من إخراج سلمان الشاوش، وبطولة حسن مكيات وإكرام عزوز وكوثر بلحاج وخدوجة صبري وزياد صبحي ومراد خان. وكذلك سيتكوم “البلاص” من إخراج زياد ليتيم وسيناريو وحوار مالك بالحاج وسيف عمران، وبطولة ريم الزريبي ولطفي بندقة وجهاد الشارني وأميرة درويش وسيف عمران. وسيتكوم ثالث بعنوان “13 نهج غاريبالدي” وهو عبارة عن سلسلة بوليسية من بطولة نجلاء بن عبدالله وخالد هويسة وبلال سلاطنية وسوسن معالج. وستعرض على قناة التاسعة. وفي المواسم الرمضانية الماضية فشل أهل الدراما في تجميع العائلات التونسية حول شاشة التلفزيون في رمضان، بعد أن هجرها كثيرون بسبب عدم رضاهم عن محتواها، في الوقت الذي انجذب آخرون إلى المسلسلات التونسية القديمة التي تعيدها القناة التونسية الثانية العمومية، وتحقق نسب مشاهدة كبيرة. واتجه آخرون إلى مشاهدة أعمال عربية عبر الشاشات وحتى عبر المنصات الرقمية المختصة في عرض الأفلام والمسلسلات بشكل حصري والتي صارت تنافس الشاشة الصغيرة في تقديم المحتوى الناجح. الدراما التونسية إجترار لعمل قديم في ثوب جديد الدراما التونسية إجترار لعمل قديم في ثوب جديد وفي العام الماضي اختار المخرج بوشناق عرض الجزء الثاني من مسلسله “النوبة” على منصة أرتيفاي التونسية، بعد عرضه على شاشة التلفزيون، والعام الحالي التقط الفهري موضة “المنصات” ونجاح الأعمال القديمة المعاد بثها حصريا لديها، فأعلن عن منصة رقمية خاصة، تحمل اسمه، وستكون مخصصة لعرض أعمال تونسية بشكل حصري، حيث قال إنها أيضا ستقتني حقوق بث العديد من المسلسلات والأفلام التونسية الناجحة. وستكون هذه المنصة بالتأكيد إن اقتنت أغلب الأعمال الشهيرة، منصة رائدة وبمثابة أرشيف رقمي للمسلسلات التونسية وستطرح نموذجا جديدا من المنافسة في السوق المحلي ولم لا المغاربي الذي تربطه بتونس إنتاجات ثنائية ومشتركة ولهجات وثقافات وحتى تاريخ متشابه. ورغم أن الوقت للحكم والتقييم لا يزال مبكرا، إلا أن المشهد الدرامي للعام الحالي لا يبدو مبشرا بأعمال ستحفر في ذاكرة التونسيين وسيحبونها كما أحبوا الأعمال التي بثت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وحتى وإن ضمنت مسلسلات الأجزاء بنوعيها الكوميدي والاجتماعي النجاح مسبقا، تبقى أغلب المسلسلات الجديدة، ككل عام، تتحسس طريقها إلى قلب المشاهد التونسي وعقله، بمواضيع اجتماعية خفيفة علها تحظى بنسب مشاهدة كبيرة، مقدمة أسماء “مستهلكة” جدا في عالم التمثيل، قد يشاهدها المتلقي في كل المسلسلات وتصبح بالنسبة إليه وجبة دسمة تسبب تخمة بصرية لا يستطيع هضمها، وأحيانا تقدم للمتفرج وجوها جديدة اختيرت لمقومات جمالية خارجية وتفتقر في أغلبها إلى الموهبة المقنعة.
مشاركة :