العادات الاستهلاكية الأمريكية وقمة باريس

  • 12/3/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الحديث عن اندثار الثقافة الأمريكية فيما يخص استخدام السيارات الأمريكية الفارهة بحكم الحرص على صداقة البيئة، لا يخلو من المغالطات. فالولايات المتحدة سجلت هذا العام أعلى معدلات بيع هذا الصنف من السيارات وغيره منذ مطلع القرن الحالي. وتتصدر قائمة الزيادة السيارات الرياضية متعددة الأغراض التي تحظى بحصة من السوق أعلى من غيرها. وتصل نسبة بيع هذه السيارات واحد إلى ثلاثة. ورغم توقف جنرال موتورز عن إنتاجها إلا أن الطلب عليها في سوق السيارات المستعملة بلغ أعلى مستوى له منذ أحد عشر عاماً. وأمام هذا الواقع لا يمكن لأمريكا أن تقود حملة الحفاظ على البيئة وتقليص معدلات نفث الكربون في العالم قبل ولا بعد قمة باريس التي يفترض أن تحدد معايير جديدة للتعامل مع هذه المعضلة. وما لم يغير الأمريكيون عاداتهم فلن يغير الآخرون شيئاً. لكن جدول أعمال قمة باريس ضاغط جداً. فقد تجاوزت معدلات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي 400 وحدة بالمليون وهو حد ينبغي معه قرع أجراس الإنذار كونه تجاوز معدلات ما قبل الثورة الصناعية بنحو 40%. وتنفث الصين النسبة الأعلى من الكربون التي تفوقت على الولايات المتحدة بعد أزمة عام 2008 أما الهند فتحتل المرتبة الثالثة رغم أن نصف مناطقها الحضرية بلا كهرباء. واستعار الهنود والصينيون النموذج الأمريكي في ما يتعلق بالأحلام الاستهلاكية للطبقة الوسطى، وما لم يغير الأمريكيون سلوكهم الاستهلاكي فلن يكون إقناع الآخرين بالتغيير سهلاً. وكثر الحديث عام 2009 عن تضاؤل الرغبة في امتلاك السيارات الرياضية متعددة الأغراض على خلفية أسعار النفط المحلقة وارتفاع أسعار هذا النوع من السيارات مقارنة مع غيرها ناهيك عن تعارض استخدامها منطقياً من الناحية السياسية مع مساعي الحكومة لإخراج الاقتصاد الأمريكي من الركود. وقد انخفضت مبيعاتها نسبياً لفترة محدودة .لكن المبيعات خلال 18 شهراً الماضية سجلت أرقاماً قياسية جديدة بفضل تدني أسعار الوقود. وما أن هبط سعر الغالون إلى ما دون 3 دولارات حتى استرجع المستهلكون عاداتهم الاستهلاكية القديمة. وخلال هذا العام ارتفعت مبيعات السيارات الرياضية الفارهة بنسبة 20% وبعضها ارتفعت مبيعاته بنسبة 33% مقارنة مع مبيعات عام 2014. وتشير مبيعات مختلف شركات صناعة السيارات سواء منها الأمريكية أو غير الأمريكية إلى زيادة واضحة في الطلب عليها ما عزز هامش الربحية. كما أنها تشكل العنصر الأساسي في نمو القطاع بالاشتراك مع مبيعات الشاحنات الصغيرة وهي أكثر نفثاً للكربون. أما سيارات الهجين التي تعمل بوقود الكهرباء والبنزين فتشهد مبيعاتها تراجعاً. لكن المتفائلين يشيرون إلى تغير المزاج الاستهلاكي للجيل الجديد من الأمريكيين مقارنة مع الأجيال السابقة. فهؤلاء يستخدمون السيارات بمعدلات أقل وسفرياتهم البرية بالسيارات لا ترقى إلى نفس معدلات أسلافهم. ويجدون عالمهم في تصفح الإنترنت بدل السياحة في البر. إلا أن هذا الجيل الجيد لا بد أن يتزوج وينجب أطفالاً وهذا يعني أنه سوف يستخدم السيارات لنقلهم إلى المدارس والتجول في أسواق المدينة والذهاب في نزهات بسيارات خاصة. وما لم تفرض الحكومة ضريبة على استهلاك الوقود لن يتحول هؤلاء إلى استخدام سيارات الهجين أي أنه ليس هنالك ما يبعث على التفاؤل بأن الجيل الجديد سيغير من العادات الاستهلاكية للأمريكيين. ولعل التوقيت المثالي لفرض ضريبة على مشتقات النفط هو عندما تكون أسعاره في الحضيض. ومثل هذه الخطوة لا تبدو واردة في حسابات الأمريكيين حالياً لأن معظم أعضاء الكونغرس يعارضون فرض قيود على استهلاك الوقود. وقد عارضوا مؤخراً محاولة الرئيس أوباما اتخاذ خطوات متواضعة جداً للحد من نفث الكربون. ولهذا لا عجب من أن تكتسب ثقافة استخدام السيارات الأمريكية مزيداً من الزخم وهو ما تشهده بلاد مثل الهند حالياً.

مشاركة :