محمد جميل الرمحي يكتب: استراتيجيات الحوكمة

  • 4/3/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بات الاستثمار المسؤول، والذي يطبق في أحد أوجهه عبر الالتزام بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، يمثل حاجة وتوجهاً سائداً. فتنامي الرغبة في تبني معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، إنما يعكس مدى الضغوطات التي تتعرض لها الشركات من قبل أصحاب المصلحة الذين يتطلعون إلى أن يكونوا مثالاً لمواطن عالمي مسؤول. ومازالت مسألة صياغة استراتيجيات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، والتي تشمل تقييم ومعالجة المشكلات التي تؤثر على عمليات وممارسات الشركة وقيمتها، تمثل تحدياً بالنسبة إلى الشركات. وأجرى أسبوع أبوظبي للاستدامة، الذي تستضيفه شركة «مصدر»، وبالشراكة مع «هارفرد بزنس ريفيو» دراسة استقصائية حول معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، في محاولة لفهم الطرق التي تتبعها الشركات لتطبيق استراتيجيات الحوكمة. أشارت الدراسة إلى تنامي الاهتمام بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، فقد نوه 83 بالمئة من المشاركين في الاستقصاء الذي شملته الدراسة إلى أن شركاتهم سوف تستثمر بشكل أكبر في مبادرات تتعلق بالحوكمة على مدى الأشهر الـ 12 القادمة. وحينما سئل المشاركون حول الأنشطة الخاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، أوضح 27 بالمئة منهم أنه ليس لدى شركاتهم استراتيجية حوكمة رسمية، في حين أقر 10 بالمئة آخرون أنهم لا يعملون على تحسين معايير الحوكمة في هذه المرحلة. وتأتي مسألة تحسين سمعة العلامة التجارية على رأس الأهداف المرجوة من الاستثمار في معايير الحوكمة حسب 61 بالمئة من المشاركين، لكن لم تنجح إلا نسبة 55% منهم في ذلك حتى الآن. وتشير هذه النتائج إلى المرحلة التي وصلت إليها العديد من الشركات في رحلتها لتبني معايير الحوكمة. وعلى الرغم من اعتبارها مقياساً مهماً لتلبية توقعات أصحاب المصلحة، إلا أن تحديد الأولويات وتطوير استراتيجية حوكمة متكاملة ما زالت في مراحلها المبكرة. ولا شك أن السبّاقين إلى تبني هذه المعايير سيحظون بفرصة استقطاب شراكات ومواهب واستثمارات جديدة، وتحقيق عوائد وفوائد بشكل أسرع من الذين تأخروا عن دخول هذا المجال. ويعد اختيار الشخص المناسب لقيادة عملية تطبيق استراتيجية الحوكمة أمراً مهماً لنجاحها. وتشير الدراسة إلى أن 33 بالمئة من المشاركين يعتقدون أن الرئيس التنفيذي هو الذي يجب أن يشرف على هذه المهمة، في حين يعتقد 23 بالمئة منهم أنه يجب تولي المهمة من قبل فريق من مختلف التخصصات. فعلى المدى القصير، من المرجح أن يتولى الرئيس التنفيذي أو أي عضو من الإدارة التنفيذية مسؤولية تنفيذ استراتيجية الحوكمة، على غرار تنفيذ أي رؤية أو مهمة والذي يبدأ من أعلى هرم الشركة. وقد نشهد مع مرور الوقت نشوء منصب «الرئيس التنفيذي للحوكمة البيئية والاجتماعية المؤسسية»، والذي يجب أن يتولاه من يمتلكون خبرة واسعة في تقييم ومعالجة المشكلات ضمن مختلف أقسام الشركة. وسيكون بإمكان هؤلاء توظيف خبراتهم في مجال الحوكمة التي اكتسبوها من قطاعات مختلفة وتطبيق أنشطة مؤثرة جرى تجريبها واختبارها. وخلال مرحلة التطبيق، سوف تقوم وكالات خارجية بدور مهم من حيث توفير استشارات مستقلة، لكن يبقى تحقيق النتائج المرجوة يتطلب شخصية قيادية من داخل الشركة. ومن الممكن أن تلعب الشركات الاستشارية دوراً بارزاً من حيث قياس أداء الشركة في تطبيق معايير الحوكمة والمصادقة عليه. وبحسب الدراسة، يمثل قياس الأداء أمراً مهماً بالنسبة إلى 42 بالمئة من المشاركين في الاستقصاء، حيث أكدوا أن ذلك كان يمثل أكبر تحدٍ واجهوه عند تطبيق ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية المؤسسية. يمكن معالجة مشكلة القياس وإثبات القيمة من خلال اعتماد نهج موحد لكيفية قياس أداء أنشطة الحوكمة، ومن شأن ذلك أن يخلق نوعاً من التنافس، حيث ستعمد الشركات إلى قياس نجاحها بالنظر إلى أداء منافسيها. وبالإمكان تحقيق ذلك من خلال تكرار ذات العمليات التي تبنتها شركات أخرى، وهو ما قد يؤسس لنوع من التقييم والتدقيق المستقل. ومن خلال العمل مع جهة ثالثة مستقلة ضمن فترة محددة، سيكون بإمكان الشركات الحصول على تقييم بخصوص تطبيق معايير الحوكمة، ما يتيح لأصحاب المصلحة الاطلاع عن كثب على الجهود المبذولة من أجل ضمان العمل وفق معايير مسؤولة، بالإضافة إلى أن الحصول على تقييم عالٍ يعكس مدى جودة الشركة ومكانتها في السوق. ومن شأن إجراء عملية التقييم من قبل جهة مستقلة أن يتيح للشركات الحصول على توصيات وملاحظات بشكل دوري، ما يمكّنها من تشكيل صورة أوضح حول عناصر الاستراتيجية الفعالة وتلك التي تحتاج إلى تحسين. ومن شأن الجمع بين تبني هذا النهج ووجود رئيس تنفيذي متخصص في الحوكمة، أن يفضي إلى تعزيز فعالية استراتيجية الحوكمة الخاصة بالشركة، ورفع قيمة العلامة التجارية، وتحسين نظرة الشركاء للشركة. هناك توجه واضح من الشركاء وأصحاب المصلحة للمطالبة بضرورة تبني الشركات لاستراتيجية للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وقد حان الوقت لتبني هذا النهج.

مشاركة :