تكملة للمقال السابق.. للمجالس آداب، وسلوكيات متعارف عليها، فالمجلس من الطبيعي أن يكون له احترامه وهيبته، ومن يقدّر مجالس الرجال لاشك أنه يدل على تربيته السليمة، واحترامه لنفسه، وكسب تقدير الناس له.. لذا فقد حذّر الكثير من الشعراء عن الابتعاد عن مثل هذه الصفات القبيحة، ومنهم سعيد بن فالح المهداني فقد حذّر في قصيدة رائعة من دخول مجالس أهل الغيبة والريبة، وأن دخول تلك المجالس تدل على تفاهة من يجلس فيها، ومن الأفضل اجتنابها نهائياً في كل الأحوال ومنها هذه الأبيات: المجلس اللي به المغتاب .. والغيبه حلفت ما أجيه أنا لو اجلس لحالي لا رحت صوبه علي الشك.. والريبه لو كان ما قلت شيٍ قيل قد قالي نقصٍ عليّ لا دخلته ويش أنا أبغي به أفضل لي أجنّبه في كل الأحوالي وحيث إن هناك مجالس أهل الخير.. فإنه يوجد كذلك مجالس أهل الشر، التي تكون ملتقى للناس الأشرار الذين أصيبوا بأمراض يصعب الشفاء منها، فتصبح مجالسهم قد أصيبت ببعض السلوكيات الخاطئة التي تؤثر على الإنسان النبيل، ولا يتقبلها الرجل الفطين، وكم من الشعراء قد عبّر في أشعاره عن تلك المجالس الفاسدة، مجالس أهل الحقد، والكراهية، وفي هذا الشأن يقول سعيد بن حنس الذيابي: المجلس اللي تنفقد قيمتي فيه لا رحم أبوه ورحم أبو من يجيله ما ني بدلبوجٍ كبارٍ علابيه يرخص مقام النفس بأطرف وسيله بعض المجالس يدبل الكبد طاريه عيبٍ على الرجّال ما يستوي له ليا كان ما قلطك وأكرمك راعيه خلّه وتلقى فالمجالس بديله وكما يحدث في مجالس الرجال الطيّبة من علوم جميلة، وعطايا ثمينة، ومواقف جليلة، واحترام متبادل بين الجميع.. يحدث أيضاً في مجالس الأنذال آلام عميقة، ومواقف خبيثة، ودواهي كثيرة، لذا نجد أن الشعراء المتمكنين هم الأجدر في وصف تلك المجالس باختلاف الحسن منها والقبيح، وما يحدث فيها من مواقف.. ومن هؤلاء الشعراء الذين تحدثوا عن تلك المجالس علي بن حمري الحبابي فقال: وإن شفت مايجرحك في مجلسٍ قمّ مرواحك أجمل من مجالس هلايم يا حبني حباه لمنثّر الدمّ وإكرام من يستاهلون الكرايم
مشاركة :