تعاني الكثير من المشروعات الاستثمارية الجديدة أو التوسعية من صعوبات ودرجة عالية من المخاطر، وثمة العديد من رواد الأعمال وغيرهم ممن يأتون بأفكار مدهشة لكن يفتقرون إلى رأس المال لتحويلها مشروعات ناجحة، وهنا يأتي دور المستثمرين في رأس المال المغامر لتمكين هؤلاء الأشخاص من تنفيذ أفكارهم ومشروعاتهم، وفي هذه السطور توضيح لنشأة رأس المال المغامر، وأهميته في دعم الاقتصاد وعوامل نجاحه، واستعراض نماذج عنه، وما حققته المملكة في هذا المجال. أولاً: رأس المال المغامر من حيث التعريف والنشأة تعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) رأس المال المغامر أنه تمويل رأس مال الشركات غير المدرجة لدعم مرحلة ما قبل إطلاق المشروع لاسيما المشروعات الريادية المرتكزة على الابتكار، ويستمد اسمه كون أن صاحبه لا يستطيع استرجاع أمواله في حال فشل المشروع، وتعود نشأته للعام 1946، حيث تم تأسيس أول شركة أميركية لرأس المال المغامر تحت اسم (ARD) American Research Development وأشرف على تأسيسها عضو هيئة تدريس كلية هارفارد للأعمال ومؤسس معهد إنسياد الجنرال جورج دوريوت. وفي أوروبا تم إنشاء الجمعية الأوروبية لرأس المال المغامر (EVCA) العام 1983. ولما أثبت هذا النوع من التمويل فعاليته في أميركا وبريطانيا سارعت الدول إلى تبني هذا النوع من التمويل وتقنينه ضمن المنظومة التشريعية، وتطور مفهوم رأس المال المغامر تدريجياً حتى أصبحت أميركا أكبر سوق له. أهمية رأس المال المغامر وعوامل نجاحه يعد رأس المال المغامر قارب نجاة للشركات الصغيرة والمتوسطة؛ ففي ظل الصعوبات التي تفرضها عليهم البنوك لم يكن لهم من ملجأ سوى هذا المستثمر القادر على فهم أفكارهم والإيمان بها والمغامرة برأس ماله في سبيل مشروع يتوقع له النجاح، وأيضاً يساهم بضخ الروح في الاقتصاد المحلي والدولي، وظهور مجالات جديدة تزخر بفرص عمل وتداولات تجارية ومالية لا تنتهي، مجسداً شراكة بين رأس مال مادي وآخر فكري، ومساعداً على ظهور وجوه شابة في سوق الأعمال والاستفادة من أفكارهم ورؤيتهم الجديدة للسوق، وتشير دراسة "تطبيق تجربة رأس المال المخاطر.." إلى أهم العوامل التي تساهم في نجاح شركات رأس المال المغامر: -1الظروف الاقتصادية المستقرة. -2دعم الحكومة لعمل شركات رأس المال المغامر. -3نشر ثقافة عمل شركات رأس المال المغامر. -4توليد أفكار إبداعية لها مستقبل واعد؛ إذ يتوقف نجاح شركات رأس المال المغامر على وجود أفكار إبداعية لها مستقبل واعد وقيمة مضافة عالية. نماذج ناجحة رأس المال المغامر يستهدف تمويل أو تطوير فكرة لشركة وولادة شركة ومن ثم تطوير شركة ناشئة؛ ومثال ذلك تطبيق الواتساب، أسسه بريان أكتون وجان كوم -موظفان سابقان في ياهو- يناير العام 2009، حيث لمعت لديهما فكرة نوع جديد من المراسلات يسمح بعرض الحالات بجوار الأسماء، واحتاجا إلى مطور (ios)، وقدمهما أليكس فيشمان للمطور الروسي إيغور سولومينتيكوف، ثم استثمر أصدقاء أكتون 250 ألف دولار في التمويل الأولي، وفي أبريل 2011 استثمرت شركة سيكويا كابيتال نحو 8 ملايين دولار، وزادتها 50 مليوناً في 2013، وفي 19 فبراير 2014 أعلنت فيسبوك أنها اشترت واتساب مقابل 19 مليار دولار، ويبلغ عدد مستخدميه اليوم أكثر من ملياري شخص. والأغرب شركة الطعام المستحيلة (impossible foods) فقد طلب سمير كاول المستثمر فيها من بات براون مؤسس شركة اللحوم النباتية أن يتخلى عن وظيفته أستاذ كرسي في جامعة ستانفورد أو يتخلى عن فرصة التمويل، وافق براون، وقدم كاول تمويلاً بضعة ملايين من الدولارات، قائلاً: كنت أضحوكة عندما قلت سأستثمر في برغر نباتي العام 2011، واعتقد الناس أنني قد جننت. بعد أقل من عقد تقدر قيمة شركة الأطعمة المستحيلة بأكثر من أربعة مليارات دولار، وتوجد منتجاتها الخالية من اللحوم في مطاعم بيرجر كينج وستاربكس. رأس المال المغامر أو الجريء في السعودية إيماناً بأهمية تعزيز ريادة الأعمال ودعم الشركات الناشئة والاستثمار في الاقتصاد المعرفي، وتحقيقاً لرؤية المملكة 2030، تم إطلاق مجموعة من المبادرات والبرامج التي أثمرت عن تطور مشهد الاستثمار الجريء في المملكة، كإطلاق صندوق الصناديق "جدا" العام 2017، بالتزامن مع قيام شركة الاتصالات السعودية بتأسيس صندوق تقني (STV) بقيمة 500 مليون دولار ما جعله أكبر صندوق تقني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان أبرزها تأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء العام 2018 بمبادرة من "منشآت" بقيمة 2.8 مليار ريال. واستناداً إلى تقرير سعودي حديث حسب منصة "ماجنيت" فإن منظومة الاستثمار الجريء في المملكة حققت نمواً بلغ 770 %، لتصل قيمة الضخ المالي في الاستثمارات الواعدة للشركات الناشئة إلى 6.5 مليارات ريال حتى 2021. وكشف التقرير زيادة عدد المستثمرين في الشركات الناشئة السعودية بنسبة 192 %، ليصل إلى 76 في 2021 مقابل 26 فقط في 2018، ونما عدد الصفقات في الشركات الناشئة السعودية إلى 139 صفقة في 2021 مقابل 56 في 2018. واحتلت المملكة المرتبة الثانية بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث إجمالي قيمة الاستثمار الجريء، مستحوذة على 21 % من إجمالي قيمة الاستثمار في المنطقة. وهذه الأرقام دليل على نجاح استراتيجية الشركة في زيادة أعداد المستثمرين في الشركات الناشئة، وتشجيع الشركات المالية القائمة والجديدة على أن تُنشئ صناديق متخصصة في الاستثمار الجريء، والمساهمة في سد الفجوات التمويلية، وتحفيز "المستثمرين الملائكيين" الحاليين للاستثمار في الشركات الناشئة من خلال برنامج الاستثمار بالمشاركة. ما تقدم يبين لنا أهمية وضع استراتيجية مستقبلية لاستخدام رأس المال المغامر في التمويل من خلال تشجيع المبادرات المطروحة من قبل الجامعات في مجال الابتكارات والاقتصاد المعرفي، والعمل على تنظيم معارض دورية للمشروعات والأفكار الجديدة، وإبراز قصص النجاح، وتقديم التسهيلات وتخفيف الأعباء الضريبية، وتشجيع أصحاب المؤسسات الصغيرة على القبول بدخول مساهمين فيها، ونشر الوعي بين الأفراد والمؤسسات بأهمية نشاط رأس المال المغامر في تطوير المشروعات المبتكرة، والعمل على تطوير أنظمة الشركات، وتبسيط تأسيس الصناديق الاستثمارية، بالتزامن مع انعقاد المؤتمر العالمي لريادة الأعمال في الرياض الذي شهد توقيع الكثير من الاتفاقيات والاستثمارات لدعم الشركات الناشئة والأفكار الخلاقة، قد تكون بذرة لخلق منطقة للاستثمار شبيهة بوادي السليكون، أو مدينة بادن فورتمبيرغ الألمانية؛ حيث يعدان نموذجاً رائداً للاستثمار في الشركات الناشئة، والتي لها دور فعال في تحقيق التنمية المستدامة ونهضة المجتمع، ولا ننسى دور حاضنات الأعمال في دراسة المشروع وتقييمه سواء من الناحية التجارية أو الآثار المتوقعة على الصناعة في المستقبل، مثل "واعد" و"خطى" و"بيت المنشآت" وغيرها. وأختم بقول الملك سلمان -حفظه الله-: "حرصُنا على المضي قدماً في المشاريع التنموية وخلق مجالات اقتصادية جديدة دليل على عزم الدولة الراسخ على تنويع أهدافها بتنويع قاعدة الاقتصاد واستثمار المتغيرات الاقتصادية لبناء مكتسبات وطنية جديدة سيكون المواطن فيها الهدف والرافد".
مشاركة :