شجع الدعم الإسباني لمبادرة المغرب لحل النزاع حول الصحراء المغربية سياسيين بريطانيين على التحرك ومطالبة بلادهم بحسم موقفها تجاه هذا النزاع، الذي تبدو الرباط تقطع أشواطا هامة نحو حسمه لصالحها. وطالب السير ريتشارد أوتاوي، وهو الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني (2010 – 2015) ونائب حزب المحافظين السابق عن كرويدون ساوث (1992 - 2015)، بريطانيا بالانضمام إلى شركائها الدوليين، على غرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في تأييد خطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء المغربي. وقال أوتاوي في مقالة في صحيفة التايمز واسعة الانتشار “يجب على الحكومة البريطانية أن تظهر مكانتها القيادية كذلك، وتعلن دعمها لتسوية سلمية لمسألة الصحراء المغربية”. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أدى زيارة إلى المغرب والجزائر الأسبوع الماضي لبحث تخفيض التوتر بين البلدين بعد أن قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية متهمة الرباط بالوقوف وراء حرائق شهدتها مناطق جزائرية خلال الصيف الماضي وهي الاتهامات التي لم تقدم معها أي دليل، في حين يربط مراقبون التصعيد الجزائري بالتطورات اللافتة على الصعيد الدبلوماسي بشأن الصحراء المغربية. ريتشارد أوتاوي: يجب تأييد خطة الحكم الذاتي للصحراء مثل شركائنا وقال أوتاوي إن “النزاعات الدولية تتخذ كل الأشكال والأحجام. ويتسم بعضها، كما نشهد الآن على حدود أوروبا، بالعنف الذي يؤدّي إلى نتائج إنسانية مأساوية. وتقتصر أنواع أخرى على الثرثرة لعقود، مع البقاء بين المطرقة والسندان. لذلك، ليس من المستغرب أن نشهد نسيان النوع الأخير في الكثير من الأحيان. لكن سبعة أيام يمكن أن تكون زمنا طويلا على الصعيد السياسي. وبالمثل، كان الأسبوع الماضي حاسما على الأرجح لواحد من أطول النزاعات الإقليمية في العالم”. ويستمر النزاع حول الصحراء المغربية منذ انسحاب إسبانيا في 1975، من واحدة من آخر مستعمراتها المتبقية في أفريقيا، وهي منطقة بحجم المملكة المتحدة تقريبا. وكانت هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة تُعرف آنذاك باسم الصحراء الإسبانية. ويبلغ عدد سكانها حوالي 600 ألف نسمة، وبقيت محل نزاع على مدى نحو خمسين عاما. حيث أن للمملكة المغربية مطالب قديمة بالسيادة على الإقليم وهي تديره وفقا للقانون الدولي. وتضغط جبهة بوليساريو الانفصالية والمدعومة من الجزائر، والتي تشكلت بعد أن استعاد المغرب أراضيه من إسبانيا، لاستقلال الصحراء المغربية منذ ذلك الحين. وفي الثامن عشر من مارس قررت إسبانيا، التي التزمت الحياد بشأن هذه القضية منذ وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، إحداث تغيير جذري في موقفها من النزاع. ووصف وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس خطة المغرب لحكم المنطقة الذاتي لسنة 2007، والتي تمنح الصحراويين المحليين الحكم الذاتي باستثناء الشؤون الخارجية والدفاع، بأنها “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لإنهاء النزاع. وبذلك حذت إسبانيا حذو الولايات المتحدة، وأغلبية الدول العربية، وعدد كبير من دول جنوب الصحراء الكبرى، في تقديم اعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. وسرعان ما رحّب الاتحاد الأوروبي بموقف إسبانيا، ودعا إلى علاقات ثنائية أقوى بين الدول الأعضاء والمملكة. وكان المغرب قد استثمر المليارات في الصحراء المغربية لتطوير صناعاتها وتحسين تنمية سكانها اجتماعيا واقتصاديا. وهو يعمل على بعث أكثر من 120 ألف فرصة عمل جديدة خلال السنوات القادمة، بينما بلغ معدل النمو الاقتصادي في الصحراء المغربية نسبة 7 في المئة، متجاوزا بشكل كبير المتوسط بالنسبة للمغرب ككل. وقال أوتاوي “نشهد زيادة مطردة في الإنفاق الاستهلاكي، وانخفاضا واضحا في الفقر والتفاوتات الاجتماعية، ونفقات كبيرة مضمونة للمستقبل القريب في شكل ميناء بحري جديد وجامعة ومدينة خضراء في الصحراء المغربية، ومع ذلك لم تختف الأقلية المعارضة، وخاصة ضمن حملة الصحراء في المملكة المتحدة، وهي منظمة غير حكومية أسسها خصوم المغرب ويديرونها اليوم”. ووافقت المحكمة العليا في لندن العام الماضي على الاستماع إلى مراجعة قضائية رفعتها المجموعة ضد اتفاقية الشراكة بين المملكة المتحدة والمغرب لسنة 2019. وتعدّ هذه الاتفاقية واحدة من الاتفاقيات الأولى من نوعها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وستساهم بشكل كبير في الأمن الغذائي البريطاني، وقد عززت التجارة الثنائية بشكل كبير بالفعل. إقرأ أيضا الهجرة غير النظامية في صميم الاهتمامات التفاوضية لإسبانيا مع المغرب ويتمحور استياءهم حول نص اتفاقية الشراكة على تعريفة واحدة على السلع سواء كانت قادمة من المغرب في الشمال أو من الأقاليم المتنازع عليها في الجنوب. وهم يجادلون بأنها قد مكّنت الرباط من نهب موارد ليس لها حق فيها. وسيسعى منتقدو المغرب، من خلال حملة الصحراء المغربية في المملكة المتحدة ومنظمات أخرى، بحسب النائب البرلماني البريطاني السابق إلى التراجع عن التقدم في الصحراء من خلال فصل هذه المنطقة عن بقية البلاد، موضحا “هم يفضلون استبعاد الأشخاص والسلع والخدمات من الترتيبات المفيدة المضمونة بموجب شراكات المغرب مع المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وأكد أن “هذا يتعارض مع المنطق ويقوم على أسس أيديولوجية تعود إلى حقبة الحرب الباردة، ويجب على الشركاء الدوليين ضمان حماية الحكومة المغربية حقوق جميع الأشخاص على أراضيها، بمن فيهم أولئك الذين حاربوها في الجنوب. لكن الحقيقة هي أن الصحراء المغربية اليوم منطقة يبلغ تعداد سكانها 600 ألف شخص يعيشون في سلام نسبي وازدهار متزايد، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى جهود المملكة”. وتتحسن الحياة اليومية في المنطقة بسرعة. وتشير نسبة المشاركة القياسية في المقاطعات الجنوبية في الانتخابات التشريعية الوطنية التي جرت العام الماضي، إلى أن السكان يدركون ذلك بالفعل. وتسعى حملة للانفصاليين من جبهة بوليساريو في المملكة المتحدة وداعميها إلى نتيجة من شأنها أن تعيد المنطقة إلى الوراء، من خلال مفاقمة التفاوتات والحد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية. كما أنها تسعى إلى تقويض العلاقة الأعمق ومتبادلة المنفعة بين المملكة المتحدة والمغرب وفق أوتاوي. وقال إنه “بعد ما يقرب من نصف قرن من الجهود المتوقفة، وفترات طويلة من التقدم الضئيل أو المعدوم، يبدو مستقبل الصحراء المغربية وشعبها أخيرا أكثر إشراقا. وبينما يحتشد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلف خطة الحكم الذاتي المغربية القابلة للتنفيذ، فإن إنهاء النزاع الذي حدد حياة جيلين كاملين أصبح في متناول اليد. ويجب أن تنضم المملكة المتحدة إلى حلفائها الدوليين وأن تساعد في وضع حد سلمي لهذا الخلاف المستمر منذ فترة طويلة”.
مشاركة :