المعابر الحدودية عقبة أمام تذويب الخلافات بين الخرطوم وجوبا

  • 4/5/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال المعابر الحدودية الرسمية بين دولة السودان ودولة جنوب السودان مغلقة على الرغم من مرور 11 عاما على الانفصال بين البلدين، ما يمثل عقبة أمام مساعي تذويب الخلافات بين الخرطوم وجوبا. ورغم غياب الإجراءات الجمركية الرسمية، إلا أن حركة التجارة وتنقل المواطنين في المناطق الحدودية لا تنقطع، وسط تأجيل فتح المعابر وقيام مؤتمر جامع لمناقشة قضايا الحدود ومعالجتها لأكثر من مرة. ومنذ انفصال دولة جنوب السودان عن السودان عبر استفتاء شعبي في يوليو 2011، ظلت الحدود بين البلدين تنتظر افتتاح المعابر الرسمية التي أغلقت عقب الانفصال، جراء نزاعات بين الخرطوم وجوبا. وفي الرابع من أبريل 2018 أعلن الاتحاد الأفريقي انتهاءه من بناء 3 معابر حدودية، دون تحديدها، من أصل 10 تم تخصيصها لتسهيل حركة المواطنين والتجارة الحدودية بين الدولتين، تنفيذا لاتفاقيات التعاون المشترك الموقعة عام 2012، دون أن يتم افتتاحها بعد، رغم مرور نحو 4 سنوات على هذا الإعلان. ووقع السودان وجارته الجنوبية في السابع والعشرين من سبتمبر 2012، 9 اتفاقيات للتعاون المشترك بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، نصت على اقتطاع منطقة حدودية بمسافة 10 كيلومترات على طرفي الحدود، ينزع سلاحها، وتسحب منها الجيوش، سميت “المنطقة المنزوعة السلاح”. منذ انفصال دولة جنوب السودان عن السودان لا تزال المعابر الرسمية مغلقة جراء نزاعات بين الخرطوم وجوبا كما تضمنت الاتفاقيات التعاون في مجالات الأمن والنفط والمسائل الاقتصادية، والترتيبات المالية الانتقالية، ورسوم عبور وتصدير نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية، إضافة إلى التجارة بين البلدين. وفي الحادي والعشرين من أغسطس 2021 اتفق البلدان على افتتاح أربعة معابر حدودية من العشرة، وهي “الجبلين – الرنك” و”الميرم – أويل” و”برام – تمساح” و”خريسانة – بانكويج”، على أن يكون الافتتاح الرسمي مطلع أكتوبر من العام نفسه، لكن لم يتم افتتاحها حتى اليوم.‎‎ وأرجع اللواء يوسف فولو نقور نائب المنسق العام للحركة الشعبية والجيش الشعبي المعارض بجنوب السودان في مكتب الخرطوم عدم فتح المعابر حتى الآن رغم مرور كل هذه السنوات إلى التحديات الأمنية. ويقول فولو نقور “هناك تحديات أمنية على الحدود، حيث توجد قوات الحركة الشعبية (السودانية) بقيادة عبدالعزيز الحلو بولاية جنوب كردفان قرب الحدود مع جنوب السودان، وهذه الحركة لم توقع اتفاق سلام مع الحكومة في الخرطوم”. وتابع “وفي مناطق أعالي النيل (بدولة جنوب السودان) مع الحدود المشتركة مع السودان هنالك قوات ريك مشار النائب الأول لرئيس حكومة جنوب السودان، على الرغم من توقيعه اتفاق سلام ولكن قواته لم يتم دمجها وفق الترتيبات الأمنية”. وفي الخامس عشر من أبريل 2021 طالبت حركة “تحرير السودان” بقيادة مصطفى نصرالدين تمبور حكومة الخرطوم بتشديد إغلاق الحدود الإقليمية بدارفور مع دول الجوار تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان، للحد من انتشار السلاح ولإيجاد سد منيع لعابري الحدود من المتفلتين والميليشيات. وفي التاسع من مارس الماضي أعربت الأمم المتحدة عن “قلقها البالغ” إزاء تجدد العنف جنوبي منطقة أبيي الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا. وأضاف نقور “القبائل التي تقطن جوار الحدود بين البلدين تعيش وكأنها شعب واحد، ليست هنالك إجراءات رسمية في التنقل أو حركة البضائع، في بعض الأحيان هناك رسوم شكلية غير رسمية”. وفي الثاني عشر من أبريل 2021 أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ونائب رئيس جنوب السودان حسين عبدالباقي الاتفاق على انعقاد مؤتمر جامع لمناقشة قضايا الحدود ومعالجتها في يونيو من العام نفسه، لكن دون قيام ذلك المؤتمر الذي تأجل موعده مرتين لأسباب غير معلنة. وتتوزع على جانبي الحدود مجموعات سكانية تتعايش وتتقاسم الأرض وتتداخل مع بعضها لاسيما بالنسبة إلى القبائل الرعوية في الشريط بين البلدين، ويبلغ طول الحدود حوالي 2400 كيلومتر مربع. وتكتسب المناطق المتنازع عليها بين الدولتين أهمية خاصة، لتميزها بالكثافة السكانية التي تتجاوز 10 ملايين شخص، ووفرة المياه والثروة الحيوانية، بجانب توافر عدد من الموارد الطبيعية الأخرى. ويتفق المحلل السياسي المختص بشؤون جنوب السودان أبوعبيدة عوض في ما قاله نقور حول تنقل سكان الدولتين في مناطق مفتوحة لا توجد بها إجراءات رسمية جمركية أو هجرية (خاصة بتنقل الأفراد). ويقول عوض “السودان يمر بفترة انتقالية ويواجه قضايا داخلية عديدة، التجارة وحركة المواطنين تنساب في الحدود مع جنوب السودان ولا وجود للنقاط الرسمية”. اتفاق السلام وأضاف “واقع السودان في الانتقال ينطبق أيضا على جنوب السودان الذي خرج من صراعات داخلية وحرب صعبة، ويواجه تحديات عديدة من ضمنها دمج قوات المعارضة الجنوبية في الجيش الوطني”. وتابع “الدولتان ناقشتا في أكثر من مرة تنظيم الإجراءات الجمركية وفتح نقاط رسمية وتجهيز المعابر باللوجستيات المهمة، جنوب السودان يعول على البضائع السودانية والمواطن الجنوبي لديه انتماء وجداني أكثر لكل ما يأتي من السودان دون بقية الدول الأخرى”. وفي الثامن عشر من يناير الماضي أجرى نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) مع توت قلواك المستشار الأمني لرئيس حكومة جنوب السودان وكوستيلو قرنق مبعوث رئيس جنوب السودان ومستشار شؤون الرئاسة مباحثات تناولت العديد من القضايا، ولاسيما تلك المتعلقة بالحدود وفتح المعابر وعلاقات التعاون الثنائي. وخلال لقائه بالمسؤول السوداني، رحب قلواك بقرار الخرطوم الخاص بإعادة فتح المعابر بين البلدين، والذي كان مقررا في السابع عشر من الشهر نفسه، لكنها لم تفتح بعد ومازالت مغلقة. وفي أكتوبر 2019 وقع السودان وجنوب السودان بالأحرف الأولى على خرائط الخط الحدودي المتفق عليه بينهما عقب اجتماعات بالخرطوم استمرت 10 أيام. والمناطق الحدودية المتنازع عليها تشمل “دبة الفخار” و”جبل المقينص” و”كاكا التجارية”، كما يتنازعان على منطقة “كافي كنجي ـ حفرة النحاس” الواقعة جنوب دارفور، وهي عبارة عن متوازي أضلاع تبلغ مساحتها 13 كيلومترا مربعا، وتسكنها قبائل من دارفور غربي السودان. ولم تتوقف محاولات البلدين لتجاوز تلك التحديات واستئناف فتح المعابر الحدودية، وفي الثامن عشر من مارس 2022 أكد الفريق أول البرهان ورئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت، خلال جلسة مباحثات في جوبا، التزامهما بإرساء السلام وبسط الاستقرار على الصعيدين الوطني والإقليمي وفي منطقة القرن الأفريقي. كما اتفقا الرئيسان على التركيز على التعاون في ما يتعلق بالحدود المشتركة بين البلدين، والعمل معا لوضع نموذج للسلام عبر التنمية من خلال تطوير حقول النفط بما في ذلك منطقة أبيي، وتكليف وزارتي خارجية البلدين بتفعيل لجان للتنمية عبر الحدود. واتفق رئيس جنوب السودان سلفا كير ونائبه ريك مشار على استئناف المحادثات حول دمج القوات المتنافسة في قيادة موحدة بعد أسابيع من الصراع المتصاعد بين الجانبين، ما يحيي آمال تجاوز العقبات الأمنية للانفتاح على الخرطوم. كير ومشار يلتزمان مجددا باتفاق السلام ويتفقان على وقف لإطلاق النار والإسراع في دمج قواتهما في جيش موحد ووقعت قوات كير ومشار اتفاق سلام في 2018 أنهى حربا أهلية امتدت لخمس سنوات. لكن تنفيذ الاتفاق كان بطيئا، واشتبكت القوى المتنافسة مرارا بسبب خلافات حول كيفية تقاسم السلطة. وتصاعد القتال خلال الأسابيع الماضية. وعلقت الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في المعارضة، التي يتزعمها مشار، مشاركتها في آليات الإشراف على اتفاق السلام في الثالث والعشرين من مارس بسبب ما قالت إنه هجمات من القوات الحكومية. وفي حفل توقيع الأحد حضره ممثل عن حكومة السودان المجاور، أعاد كير ومشار الالتزام باتفاق السلام واتفقا على الالتزام بوقف سابق لإطلاق النار والإسراع في دمج قواتهما. وسيتم تعيين جنرالات المعارضة في هيكل قيادة موحد خلال الأسبوع المقبل. وينتقل الطرفان بعد ذلك إلى تخريج جنود الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في المعارضة من مراكز التدريب لدمجهم في الجيش. وقال مارتن جاما أبوتشا ممثل الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان في المعارضة بعد التوقيع “يجب أن ننفذ ما نقوله…. شعب جنوب السودان يتوقع ذلك منا”. وشكر توت جاتلواك مانيمي ممثل حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الذي يتزعمه كير، السودان “لوقوفه معنا لمنع تصعيد آخر نحو الحرب ودعم تنفيذ اتفاق السلام”. وثمة تفاصيل مازالت لم تحسم بعد، ومنها النسبة الدقيقة للقوات الموالية لكير إلى القوات الموالية لمشار في الجيش الموحد. وقال متحدث باسم الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في المعارضة إن النسبة ستتراوح تقريبا بين 45 و55 أو40 و60. وتسببت الحرب الأهلية في جنوب السودان في الفترة من 2013 إلى 2018، والتي غالبا ما دارت على أسس عرقية، في مقتل ما يقدر بنحو 400 ألف شخص وأدت إلى مجاعة، كما كانت سببا في ظهور أكبر أزمة لاجئين في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

مشاركة :