نهوض الصحافة الورقية أحمد عبد المجيد واجهت وسائل الاعلام قاطبة ، وفي مقدمتها الصحافة الورقية ،تحديات حاسمة في الحقب الماضية ، ولاسيما تلك التي تتعلق بالتقنيات الجديدة . ولم تكن الصحافة الورقية بمنأى عن أول تلك التحديات فور اختراع الراديو واتساع استخدامه على نطاق عالمي ، وخصوصا في اعقاب ظهور الترانسستور حيث اصبح جهاز الراديو محمولا ، ويحط في كل زاوية ومكان . ولعل الذين رأوا في هذا التحول الاتصالي، تهديدا مباشرا للصحافة الورقية ،فوجئوا بأن الاخيرة ظلت تقاوم وتصمد بخصائصها الفريدة التي لا تمتلكها سواها، كالراديو والتلفزيون ، وفيما بعد السينما والفيديوتيب .. الذي اوهم اختراعه الكثير من الاكاديميين وفقهاء الاعلام، بإنه سينهي عصر الصورة المرئية التقليدية ، لكن سرعان ما تحول الى قطعة مهملة، في الغالب، تضمها المكاتب والمنازل ،بحكم الخصائص التي تتمتع بها الاذاعة والتلفزيون والسينما، وقدرتها على التكيف مع المعطيات والمستجدات التقنية والنفسية. الخلاصة في هذا التنوع والصراع والتجديد الاتصالي ،ان جميع وسائل الاعلام ظلت قائمة ولم يتلاش حضورها أو ينتهي دورها في التأثير، ونحن نميل الى استحالة اقصاء وسيلة اعلامية ،لصالح وسيلة اخرى او الحلول محلها ، ونميل كذلك الى عد هذه الوسائل باقة متكاملة، طبقا للقناعة الجديدة لدى فقهاء الاتصال التي لخصوها بنظرية التكامل في الاعلام . وهو ما ينطبق تماما على الصحافة الورقية التي ظن كثيرون انها تهاوت او تراجعت او كما يقولون انها تحتضر. تحدي الحرب ومحليا واجهت هذه الصحافة ،تحديين اثبتت فيهما قدرتها على التكيف والاستمرار والبقاء ،ففي غضون خمس سنوات فقط بين المدة (2014-2019). واجهت الصحافة الورقية تحدي الحرب على تنظيم داعش وتمدده في المحافظات ،فضلا عن الانتصار عليه الذي تطلب تخصيص ميزانية الدولة وتكريس أبوابها لدعم المجهود الحربي فقط رافقها انهيار اسعار النفط في السوق العالمية، ما انعكس على ايرادات الاعلانات، وبالتالي اضطرار ادارات الصحف الى التقنين الاداري والطباعي. اما التحدي الاخر ،فهو تفشي جائحة كورونا ،على مستوى العالم والعراق، واضطرار الصحف الى اعتماد تدابير اجرائية تتعلق بالعمل من المنازل وتقليص صفحات الاصدار وتراجع معدلات التوزيع اليومي. ومع ذلك ،فإن الصحافة الورقية ،التي ظن كثيرون انها لن تقف على قدميها مرة أخرى ،عادت الى اوضاعها الطبيعية وواكبت مهماتها السابقة ومسؤولياتها المهنية والوطنية ،مثلما عادت قطاعات اقتصادية وتعليمية ومعرفية الى سابق ادائها ،برغم تراجع نموها وايراداتها . ان تجربة الصحافة الورقية ،اليوم يعتد بها وجديرة بالدراسة ،من منطلق استيعابها صدمة التحديات المذكورة والتكيف مع الأوضاع الاستثنائية ،من خلال الاستفادة من المعطيات التقنية في وسائط وتطبيقات التواصل، في انجاز واعداد الصفحات وصياغة المحتوى الصحفي وعبر التطبيق الرقمي في توزيع الجريدة بتقنية (بي دي اف). وهكذا فإن الصحافة الورقية اليوم وسيلة تشاركية مع الوسائط الرقمية ،مستفيدة من خصائصها التقليدية الحية ومن اهتمام القراء بها ومن تدفق المحتوى الصحفي عبر المجموعات المنتشرة على واتساب وفيسبوك وانستغرام وغيرها،حيث امكن زج صناعها ومروجيها في التجربة الورقية، بكل ما تحفل به من اغراء وانجازات ،ما زالت محط رغبة الجمهور ومتعته . اننا ندعو الى تفهم الوضع الراهن للصحافة المطبوعة (الورقية) في العراق والى رصد الفوضى التي تعم فضاء اصدارها ،والى خطورة تركها مكتوفة الايدي، دون مؤازرة من القطاعات المعنية كهيئة الاعلام والاتصالات ،التي ادعوها الى تحريك صندوق دعم النشاطات والمبادرات الاعلامية المودع لديها، وعدم ترك رصيدها يتداور ثم يعاد الى شركات الهاتف النقال التي باتت تمتنع، منذ انتشار كورونا، عن نشر الاعلانات في الصحف الورقية ،وكأنها كانت تنتظر الفرصة للتنصل من هذه المسؤولية القانونية والاخلاقية. كما ادعو الاصوات التي غالبا ما تتشفى بالقول بالامستقبل للصحافة الورقية وتتوهم احتضارها ،الى الكف عن ترديد هذه النغمة التي نراها صدى لما يتردد في بعض المنابر والمحافل الخارجية ،متناسية ان المستجدات والنزاعات الدولية لا تضمن بقاء وسيلة اتصالية وانهيار اخرى.وامامنا الحرب الاوكرانية ،التي فاجأتنا باستخدام الولايات المتحدة لها، في العقوبات واعتماد التقنيات الرقمية، كأدوات للضغط والحصار ،بحيث ما عاد لفيسبوك وواتساب وجود على الارض الروسية ، ما يعني سقوط التهديد التقني ازاء الوسائل التقليدية ومنها الصحافة ،حيث يكون اللجوء اليها هو الخلاص اللا بديل له ،واهمس في اذن هؤلاء بالقول ان الهواتف الغبية التي تلاشت خلال العقد الماضي، امام ثورة نظيراتها الذكية ،قد عادت بحكم الحاجة السوقية لها ،فالجمهور المستهلك، وجد في خضوعه للهواتف الذكية ضياعا في ماله ووقته ،فعاد الى وعيه بأهمية الاحتفاظ بخصوصياته من سطوة التطبيقات او الاخبار ذات العناوين المضللة او الرسائل الالكترونية، أو أي شي آخر يصيب بالتوتر ويفكك اللحمة الأسرية والمجتمعية. الصحافة الورقية تنهض. ورقة كانت معدة لندوة علمية في كلية الاعلام بجامعة بغداد
مشاركة :