السلطات السودانية تضيّق الخناق على المحتجين لتفادي ثورة جديدة

  • 4/7/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شنت السلطات السودانية حملة اعتقالات طالت نشطاء وضيقت الخناق على قوى معارضة دعت إلى احتجاجات الأربعاء، لإعادة تكرار مشاهد شعبية سابقة، حيث جرى عزل الرئيس الأسبق جعفر نميري في السادس من أبريل قبل 37 عاما، وفي اليوم نفسه منذ ثلاثة أعوام بدأ العد التنازلي لسقوط نظام عمر البشير. وتحتفظ الذاكرة الشعبية في السودان بهذين الحدثين كعلامة على قوة المظاهرات وقدرتها على إسقاط الأنظمة التي لا تستجيب لمطالب المواطنين، ما جعل مجلس السيادة الانتقالي الحاكم يشعر بالغضب من الدعوة إلى مظاهرات في هذا اليوم. قصيّ مجدي: كل حراك جماهيري يحدث تطورا سياسيا بصورة أو بأخرى ودشنت لجان المقاومة وقوى معارضة احتجاجات في نحو عشرين مدينة أطلقت عليها شعارات من قبيل “عاصفة 6 أبريل و”زلزال 6 أبريل”، كدلالة على الشبه بين ما حدث في الماضي وما يمكن أن يحدث في الوقت الحاضر. وتعمّد المحتجون عدم الالتزام بالمركزية لإرهاق السلطات الأمنية التي أعلنت إغلاق ستة من الجسور من أصل ثمانية تربط بين مدن العاصمة الثلاث، وهي: الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، واعتبار هذا اليوم عطلة رسمية في جميع أنحاء البلاد. ودعت المعارضة إلى احتجاجات شاملة في كل ولايات البلاد بالتزامن مع ذكرى اليوم الذي وصل فيه محتجون إلى محيط القيادة العامة للجيش في الخرطوم، وبدء اعتصام أدى إلى إسقاط نظام البشير في الحادي عشر من أبريل. واعتاد الكثير من السودانيين الاحتفال بهذه الذكرى العامين الماضيين وتسيير مظاهرات والطواف حول منازل ضحاياها، ورفع لافتات تطالب بتحقيق شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وجاءت هذا العام في أجواء سياسية مختلفة. واتخذ قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في أكتوبر الماضي إجراءات أنهت شراكته السياسية مع تحالف قوى الحرية والتغيير، وفتحت الباب لخلاف كبير بين الطرفين زادت حدته مع توتر علاقة قائد الجيش بقوى دولية. وطلبت وزارة الخارجية الأميركية، قبيل احتجاجات الأربعاء، من السلطات السودانية السماح باستمرار المظاهرات من دون اللجوء إلى العنف، وأبدت استعداد واشنطن للإفراج عن المساعدات المجمدة فور تشكيل حكومة ذات مصداقية بقيادة مدنية. ومنذ إعلان عبدالله حمدوك استقالته في يناير الماضي لا يوجد رئيس للحكومة السودانية، وقام البرهان باختيار وزراء مكلفين لتسيير أعمال الوزارات، ودخل في مناوشات مع قوى معارضة، وتم تجميد الكثير من المساعدات الغربية المقدمة للخرطوم، بما ضاعف من حدة التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية. ويقول مراقبون إن قوى المعارضة تسعى للحصول على دعم دولي افتقدته الفترة الماضية مع كثافة الخلافات التي عصفت بهياكلها، وبعد اجتماعات جرت بين صفوفها مؤخرا باتت رؤاها أكثر انسجاما حيال رفض هيمنة المكون العسكري على مقاليد الأمور، والذي كان قد بنى جانبا من حساباته على تشرذمها. ويضيف المراقبون أن نتائج احتجاجات السادس من أبريل مقياس على من يستطيع كسر شوكة الآخر، حيث أحرز العسكريون انتصارات وتمكنوا من وضع أياديهم على الكثير من مفاصل السلطة، لكنهم افتقدوا إلى تأييد كبير من الشارع لهم، وهو ما تحاول استثماره القوى المدنية وتفعيله لاسترداد ما خسرته من مكاسب سابقة. احتفال السودان في أجواء سياسية مختلفة احتفالات السودان في أجواء سياسية مختلفة وحثت بعثة الأمم المتحدة في السودان على ضرورة تهيئة الظروف الملائمة والبيئة المواتية للعملية السياسية، وحماية الحق في التظاهر السلمي وكفالته في كل الأوقات. وأكد المحلل السياسي السوداني قصيّ مجدي أن كل حراك جماهيري يحدث تطورا سياسيا بصورة أو بأخرى، والسؤال هل التطور الجديد الذي تراهن عليه القوى المدنية سيكون سلبيا أم إيجابيا؟ “أعتقد أن ما جرى سيؤدي إلى تداعيات إيجابية للمعارضة، يمكن أن تعيد تصويب بعض الأمور وتعيدها إلى مسارها الصحيح”. وأوضح لـ”العرب” أن القوى السياسية ليست في حالة صراع كسر عظم مع المكون العسكري، ففي غالبيتها تريد أن تعيد شراكتها معه من جديد، لكن يخجل البعض من التصريح بذلك، لأن الشارع لن يأبه بهم، فمطالبه محاسبة كل المجرمين في حقه. واستبعد قصي أن يتمكن الشارع من تحقيق مطالبه من خلال هذه المظاهرات فقط، لأنه لا يزال يحتاج إلى تنظيم دقيق ووحدة داخلية وفتح المجال أمام خيارات المقاومة لأبعد مدى، فضلا عن الحصول على دعم خارجي، وكلها محددات غير موجودة على أرض الواقع، خاصة أن رؤى القوى السياسية بعيدة عن أهداف الشارع. وأرادت قوى المعارضة أن يكون السادس من أبريل هذا العام امتدادا لإسقاط البشير “بكل جبروته وعتاده بإسقاط عسكره الانقلابيين ومليشياتهم”، ولذلك اختارت توسيع نطاق الحشد ومراوغة أجهزة الأمن كي تتمكن من تفويت الفرصة على ملاحقة المحتجين، وإن لاحقتهم توصم بفضيحة دولية كبيرة جراء استخدامها المفرط للعنف. وتجنب قادة الاحتجاجات التوجه مباشرة لمقر وزارة الدفاع كالعادة، ووضعوا خارطة تسير فيها المظاهرات، توجه بموجبها محتجو أم درمان إلى مقر البرلمان على شارع النيل، وسار محتجو الخرطوم إلى شارع المطار، وذهب متظاهرو بحري إلى تقاطع المؤسسة، وحدد زمن التجمع في الرابعة مساء بتوقيت السودان، الثانية بتوقيت لندن. المحتجون تعمّدوا عدم الالتزام بالمركزية لإرهاق السلطات الأمنية التي أعلنت إغلاق ستة من الجسور من أصل ثمانية تربط بين مدن العاصمة الثلاث ومنذ أكتوبر الماضي شهد السودان احتجاجات متقطعة يقودها ما يعرف بـ”لجان المقاومة”، لعودة الحكم المدني وتنحية الجيش عن السلطة وعدم القبول بشراكة جديدة معه، بسبب انقلابه عليها في أكتوبر الماضي. وتكاتفت قوى سياسية عديدة مع الدعوة إلى احتجاجات عارمة في السادس من أبريل، بينها حزب الأمة القومي الذي طالب بعض قادته من قبل بتسوية سياسية مع المكون العسكري، وأصدر بيانا قال فيه “لا عذر لمن لا يخرج في موكب وطنه في 6 أبريل”. وشدد تجمع المهنيين على أن موكب الأربعاء يرمي إلى إسقاط المجلس العسكري وتقديم عناصره لمحاكمات فورية وعادلة على جرائمهم بحق الشعب، وأنه أغلق الباب أمام أي تفاوض مع القادة العسكريين أو عودة الشراكة بتقاسم السلطة. واتخذت السلطات السودانية إجراءات احترازية عديدة وخطوات صارمة خوفا من مواجهة طوفان بشري تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، التي يعاني منها قطاع كبير من المواطنين، قد لا تستطيع السيطرة عليه. ومن المتوقع أن تتحدد طبيعة العلاقة بين المكونين العسكري والمدني بما سيترتب على احتجاجات الأربعاء، فحسم أحدهما هذه الجولة لصالحه يرسم إلى حد بعيد شكل الخارطة السياسية الفترة المقبلة، بينما يؤدي عدم الحسم إلى تأجيلها. ShareWhatsAppTwitter

مشاركة :