يوم غير عادي. كان من المتوقع - وفق المعتاد في هكذا حالات- أن يكون حزيناً، لكنه كسر المألوف ليأتي استثنائياً حاملاً معه بشائر الخير لا الحزن، ويتلون بألوان العزة والنصر، لا السواد والبكاء. يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني، يوم الشهيد في الإمارات، واكبته القنوات المحلية، وحتى إذاعاتها بما يليق بالحدث، وبما يليق بالشهداء وعائلاتهم. لبست كل محطة حلتها الوطنية، وجسدت أسمى معاني الفخر بإنجازات بلدها عبر مجموعة برامج انطلقت من الصباح وحتى المساء، تنوعت بين التغطيات المباشرة داخل الاستوديو ومن خارجه، وبين البرامج والأفلام الوثائقية. كل محطة اجتهدت، وكلها مجتمعة جسدت مشهداً وطنياً متكاملاً بتقديمها مادة إعلامية جيدة. كان مهماً ألا تتوحد القنوات في ساعات البث الطويلة في مثل هذه المناسبة، كي يبقى المشهد متنوعاً على الشاشة، وكل قناة تعبر عن ذاتها وتبذل مجهوداً لتقديم الأفضل. فالمنافسة ضرورية ومهمة، وتخلق جواً من التنوع الإيجابي فتثري معلومات المشاهدين عن هذا اليوم الوطني، وعن تاريخ الإمارات مع النضال ومسيرة الاستشهاد منذ حمد بن سهيل عام 1971 وصولاً إلى شهداء إعادة الأمل في اليمن. وحده النقل الحي للاحتفالات الرسمية، يستلزم توحيد البث من دون حاجة إلى الانفراد أو التنوع. مهم أن يعرف المشاهد العربي تاريخ الإمارات مع التعاون ومفهومها للعروبة والوحدة، والدعم العسكري والمجتمعي لأشقائها العرب. فهذا الجزء من الذاكرة السياسية والاقتصادية والعسكرية والقومية قد يغيب عن البعض، ومن المؤكد أن الأجيال الفتية لا تعرفه. ما شاهدناه أجاب عن أسئلة كثيرة، ففي سرد التواريخ النضالية المهمة، إجابة واضحة تبرز أن الإمارات لم تتوان عن الذهاب بقواتها المسلحة إلى أي أرض عربية تحتاجها. رأيناها في لبنان تساهم في نزع الألغام، ورأيناها في القرن الإفريقي، والكويت والبحرين وكوسوفو.. ورأيناها تمد أياديها البيضاء بالمساعدات إلى أبعد حدود ممكنة حول العالم. إذاً، لا مبرر للسؤال والتعجب اليوم، في دولة أعطت ولم تبخل يوماً في سبيل خدمة مبادئها وإيمانها بالوحدة والقومية العربية. من هنا يجب الثناء على ما قدمته القنوات المحلية يوم الشهيد، إذ إنها لم تكتف بالأغاني الوطنية، ولم تفتح الهواء للكلام المطول واستضافة الشخصيات داخل الاستوديو طوال اليوم، بل مزجت بين العمل الأرشيفي المتقن، أي العمل السينمائي والعمل التلفزيوني الحي. كيفما تنقلت، بين مجموعة أبو ظبي للإعلام، وشبكة قنوات دبي، وتلفزيون الشارقة.. كانت تستوقفك محطات مهمة من تاريخ الإمارات، وشخصيات تحدثت عن الإنجازات، وعن معنى الشهادة في سبيل الوطن. ولعل ما ميز صباح الدار على أبو ظبي زي المذيعين ندى الشيباني وزميلها عبد الله المرقط المتماهي مع الزي العسكري، وهي لفتة ذكية من دون المغالاة في المظهر أو الديكور، وتنوع الفقرات بين تصوير خارجي واستضافة بعض أهالي الشهداء في الاستوديو، وشيخة محمد البادي الظاهري الطالبة في كليات التقنية العليا بأبوظبي مخرجة الفيلم الوثائقي بواسل الإمارات الذي كنا نتمنى أن نراه كاملاً على الشاشة. ومما تميزت به قنوات أبو ظبي أيضاً عرضها أربعة أفلام وثائقية خاصة بالحدث، وأنها لم تركز فقط على الجنود وعلى الشهداء فقط، إذ إنها لم تنس أمهات الشهداء وأبنائهم، فخصصت فيلم قصة ولاء وتنقلت الكاميرا بين إمارات الدولة، وطرقت بيوت أسر الشهداء في هذا الفيلم، وفي فيلم دروب الكرامة أيضاً، الذي سرد أحداثاً تاريخية مهمة، وقدم نبذة أرشيفية مصنوعة بشكل جيد عن شهداء الإمارات منذ 1971 وحتى اليوم. إضافة إلى فيلمي شهداء الواجب، وجزر السلام. المشهد الإعلامي كان متناغماً، في تجربة أولى لا بد أن تثمر تجربة ثانية أفضل مع ملء بعض الثغرات التي يمكن تجاوزها بسهولة. والأهم أننا خرجنا من إطار روتين الكلام الفارغ والحوارات المطولة والأشعار والغزل والغناء طوال اليوم، الذي ما زال ينتشر في المناسبات الوطنية على شاشات عربية، إلى رؤية أكثر تنوعاً وشمولية. مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :