يأتي معرض الكتاب العربي في بيروت هذه السنة في ظروف سياسية ومعيشية أقل ما يقال فيها إنها ظروف غير قابلة للصرف، وتالياً، كل احتمالات التراجع واردة وممكنة وأكيدة. ينظم هذا الحدث الثقافي الكبير النادي الثقافي العربي بالتعاون مع اتحاد الناشرين. وهو نشاط ثقافي سنوي مستمر منذ أكثر من نصف قرن، ويحمل المعرض هذا العام رقم(59)، بنسخة جديدة، جامعة وجاذبة لمئات دور النشر اللبنانية والعربية والدولية. في قاعة (البيال) الفخمة والفسيحة وسط بيروت يمتد معرض الكتاب، ويضم في مساحته الواسعة مئات دور النشر التي تتبارى على تقديم الكتب. فثمة دور نشر تركز على نوعية الكتاب ثم على مضمونه، وكذلك هناك دور نشر تركز على نوع الأدب والعلم والمعرفة، إضافة إلى دور نشر تحاول أن تكون الصورة الناطقة بالثقافة البحتة. وفي هذه السنة بالذات،يبدو معرض الكتاب كأنه صورة أو نسخة عن المعرض السابق في السنة الماضية، ذلك أن الصورة تكاد تكون هي نفسها، صورة المشهد الثقافي الممتد من الكتاب إلى الأنشطة المرافقة للمعرض. وثمة من يظن ويعتقد أن المعرض اليوم كأنه حالة لا بد منها، أو ما يشبه رفع العتب. فالناس والبلاد على موعد ثابت مع هذا المعرض، كأنه لا يمكن القفز عن هذا الموعد مهما كانت الظروف. فهل حقاً هو اليوم يمثل رفع عتب، أو هو واقع ضروري وحاجة للمدينة وناسها وحاجة للثقافة المستمرة؟ كتب كثيرة وحضور أكثر في معرض الكتاب، ولكن اللافت أن الحضور الكثيف من الجمهور إلى مساحة المعرض تبدو كما لو أنها حركة بلا بركة، ذلك أن أغلب الحضور من الأطياف البشرية المتنوعة تأتي وتزور (الكتاب) بهدف سياحي أكثر مما هو هدف ثقافي له علاقة بشراء الكتاب وما شابه، وهو الذي لفت إليه عدد من أصحاب دور النشر المشاركين في المعرض، في ما أكد آخرون على النواحي الإيجابية لهذا المعرض، حيث يرىالناشر علي بحسون في دار الفارابي أن معرض الكتاب هذه السنة جيد، فهو يجذب الناس من داخل البلاد وخارجها، الأمر الذي يتسبب بتظاهرة ثقافية مميزة، وهذا بحد ذاته يمثل وعياً ثقافياً في المجتمع.. ولكن لا بد من طرح سؤال الإقبال على الكتاب، هل ما زال الكتاب هو الرقم واحد في حياة المواطن والمهتم؟ لا أظن ذلك أبداً، فربما الكتاب اليوم هو في مكان آخر، حيث ينأى في وحدته. الناشر نبيل مروة، صاحب دار الانتشار العربي قال: معرض الكتاب في بيروت هو حاجة وضرورة ويجب أن يستمر، فهو رمز ثقافي تعودت عليه المدينة والعرب والعالم. والكل ينتظر هذا الموعد مع الكتاب في كل سنة. أما بالنسبة لعلاقة الزائر بالكتاب فإنها تبدو أقل وغير كافية، وهناك أسباب كثيرة تحول دون التواصل بين القارء والكتاب،وتعود أهم هذه الأسباب إلى تحول اهتمامات المثقف بسبب الحياة الطارئة التي تواجهه، وكذلك ظروف التكنولوجيا التي أخذت من درب الكتاب الورقي. ولا ننسى أن الكتب اليوم هي في دوامة التكرار، ويغلب عليها الطابع الديني والأصولي، وهذا ما يحصر القراء في بوتقة خاصة. المشرفة على سير نشاط المعرض، نيرمين الخنسا، تقول: نحن في المعرض نحرص على خصوصية كل نشاط ثقافي مشارك، ونترك له حرية الحركة والاختيار، وهذا ما نعمل عليه دائماً.. معرض الكتاب هذه السنة هو معرض الوعي الجماعي، والكتاب هو عنوان ومقياس هذا الوعي. والنادي الثقافي العربي هو حاضن الكتاب وأهل الكتاب، ومن واجبنا أن نتواصل مع الثقافة من خلال احتضان الكتاب وأهل الكتاب وزوار الكتاب. هذا نهجنا وسنستمر به إلى الأبد. الكاتب الروائي جبور الدويهي الجوال في المعرض، يقول: ما أروع تلك اللحظات في مساحة المعرض وبين أجنحته. يكفي أن تراقب مشهد الكتاب الممتد على نطاق واسع حتى ترى أكثر، وتسمع صوت الزمان الهادر يجري في عروق الكتب والورق والحبر الناشف على الورق الفاخر. الشاعر لامع الحر قال: السعادة أجمل بين الكتب، وفي معرض الكتاب كل السعادة، حيث تخرج الكلمات من الورق وتجري بين زوارها، فيلمع المشهد الثقافي الكبير. ضيوف من الأدباء والفنانين والكتاب تمت دعوتهم للمشاركة بنشاطات المعرض، من لبنان وخارجه، وتعقد، يومياً، أكثر من ندوة ثقافية وأمسية فنية وأمسية شعرية، إضافة إلى سلسلة توقيعات لكتاب وكاتبات، ويتميز هذا العام بكثرة حفلات التوقيع. مئات التوقيعات لكتاب عرب ومحليين يشهدها المعرض، وعلى سبيل المزاح قال أحدهم، أحتاج لثروة من المال إذا قررت تلبية كل دعوات التوقيع. وثمة حضور في المعرض لأنواع من الكتب، مثل كتب التنجيم وعلم الغيب، ورغم قلتها، إلا أنها تبدو على كل لسان لكثرة ما تذكر في وسائل الدعاية المرافقة للمعرض.
مشاركة :