منذ صدع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله. خصوم الإسلام لم يتوقفوا يوماً عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وتشويه صورته، وصرف الناس عنه. افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف عن جهل شديد بتعاليم الإسلام السامية، وقيمه الفاضلة، وغاياته النبيلة. كما تكشف عن حقد دفين يستهدف الإساءة للدين وأهله، الأمر الذي يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم، وكشف زيفها. ومن تلك الشبهات والمزاعم الإدعاء بأن تعاليم الإسلام لا تتضمن ما يكفي لحماية الأمن الاجتماعي في المجتمع بالصورة التي عرفتها البشرية من خلال المواثيق الدولية الحديثة. فما حقائق الإسلام التي تدحض تلك الشبهة، وتسقط ذلك الزعم، وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟. يقول الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق: يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله، وقد جعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها. ومن واجب ولي الأمر أن ينهض بحماية المسلمين ومصالحهم ومجتمعهم من كل صور التهديد والعدوان، حتى يتحقق للمجتمع المسلم أمنه في جميع مجالات حياته. مواثيق دولية قاصرة ويلفت إلى أنه إذا كانت المواثيق الدولية تكفل لكل دولة الحقَّ في العيش آمنة داخل حدودها، والحقَّ في رد العدوان عنها إذا وقع من دولة أخرى أو جماعة مسلحة فإن المواثيق الدولية لا تكفي وحدها من وجهة النظر الإسلامية، فلا بد أن يهيئ ولي الأمر أسباب القوة التي تحمي الدولة الإسلامية وأفرادها، وتمنع انتهاك حدودها أو الإضرار بمصالحها. ويضيف: إن هذه الأهمية البالغة للأمن في المجتمع المسلم، وكون توافره العامل المهم في سعي المجتمع إلى النمو والارتقاء في جميع المجالات، هي التي جعلت الإخلال بالأمن محاربة لله ورسوله، وكانت عقوبته من أشد الحدود صرامة وحسماً ونكالاً في الإسلام، إذ إن عقوبة هذا الإخلال الخطير، تتراوح بين القتل والصلب، وبين قطع الأطراف والنفي، وكلها عقوبات جسيمة جعلها الشارع للزجر عن ارتكاب الجريمة، وللردع عند ارتكابها، فهي لشدتها تؤدي إلى الوقاية قبل ارتكابها، وإلى العقاب العادل عند وقوعها. ويتوقف الدكتور البشير أمام قضية مهمة بقوله: يحتاج المجتمع المسلم إلى الأمن الاجتماعي، وهو وإن كان تعبيراً حديثاً، لكنه يعبر عن معنى إسلامي أصيل، وهو أن يكون المجتمع المسلم كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً. ونجد هذا المعنى واضحاً أشد الوضوح في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: مثل المسلمين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.. (متفق عليه). وفي تحقق سلامة الأمن الاجتماعي واستقامته على السواء صون للأسرة من مخاطر التفكك، ووقاية للشباب من غوائل الانحراف، وعافية للأمة كي تبقى فَتِية فاعلة متجددة. ويؤكد الدكتور البشير حرص الإسلام على تربية أبنائه على أسس تربوية صحيحة تحقق لهم عيش حياة هادئة مطمئنة تحضهم على الإسهام في صنع حضارة ذات طابع أخلاقي وعلمي في آنٍ معاً . ويقول: من أبرز الأسس التي تحقق الأمن والسكينة في التربية الإسلامية العقيدة الدينية التي توجه الفرد والمجتمع إلى الخير وتمنع الشر. قواعد الاستقرار وقد أقام الإسلام قواعد الاستقرار على العدل والإحسان، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف، والنهي عن الفحشاء والمنكر والظلم والبغي بغير الحق، وإقامة الحدود التي تصون كيان المجتمع وتحميه من التفكك والتشرد والضياع.. فقال سبحانه: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.. (النحل:٠٩). وحقق الإسلام الاستقرار عندما دعا إلى الحوار ونشر الحريات والأخذ بالشورى، فقال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.. (النحل:٥٢١). ومما يسهم في تحقيق الاستقرار للفرد والمجتمع إقامة عدالة اجتماعية تذيب الطبقية وتقضي على عبودية الإنسان لأخيه الإنسان، وتعمل على توزيع الثروات، ومكافحة الجوع والفقر، ونصرة المظلوم والتعاون ونبذ الفرقة، ومراعاة حقوق الأقليات، والتحرر من الخوف، واتباع القدوة الحسنة .. قال سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.. (سورة الحجرات: ١١). ويضيف الدكتور البشير إن السلام يحظى في الإسلام بنصيب وافر من الحض عليه، وقسط زاخر من الدعوة إليه، مع الإكرام لكل من جعله دعوته في الحياة ومنهجه في التعامل مع الناس. ويقول: إن مكانة السلام في الإسلام ظاهرة جلية في كثير من آيات القرآن المجيد، قال تعالى: والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.. (يونس:٥٢). وجعل الله سبحانه السلام تحية أهل الجنة.. قال تعالى: دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.. (يونس:٠١). وقد سمَّى الله سبحانه وتعالى الآخرة دار السلام ليحض الإنسان على السعي نحو السلام والتنعم بظلاله ونعيمه.. قال تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون.. (الأنعام: ٧٢١). د. عصام البشير
مشاركة :