لا يجمع مسجد السلطان حسن بين ضخامة البناء وجلال الهندسة فحسب، وإنما يجمع في الوقت ذاته دقة الصناعة وتنوع الزخارف، بعدما تجمعت في بنائه شتى فنون العمارة الإسلامية من دقة الحفر وبهجة الزخارف، وبراعة صناعة الرخام. أنشئ المسجد في عهد السلطان حسن بن الناصر محمد قلاوون، الذي تولى حكم مصر في عام 748 هجرية، الموافق 1347 ميلادية، بعد أخيه الملك المظفر حاجي، وكان عمره حينذاك لا يزيد عن 13 سنة، لذا فلم يكن للسلطان الصغير في أمر الملك شيئاً، ما ألقى بالأمر في أيدي أمرائه، لكنه ما لبث أن استبد بالملك بعدما بلغ رشده، إلى أن اعتقل بعد أن انقلب عليه الأمراء، ليظل في سجنه مدة انشغل خلالها بالعلم، حتى أعيد إلى السلطنة مرة أخرى، وكان ذلك في عام 755 هجرية، وظل متربعاً على سدة الحكم، إلى أن قتل بعد نحو سبع سنوات وكان ذلك في عام 762 هجرية. وتشير العديد من المراجع التاريخية إلى أن العمل في بناء هذا المسجد بدأ في عام 757 هجرية، واستمر لمدة ثلاث سنوات بغير انقطاع، لكن صاحبه مات قبل أن يتم بناؤه، فأكمله من بعده أحد أمرائه وكان يدعى بشير الجمدار، وقد تم بناؤه في عام 764 هجرية. ويتميز مسجد السلطان حسن بالتنوع والثراء الشديدين في معماره، فباب المسجد النحاسي المركب يعد نموذجاً رائعاً لأجمل الأبواب المكسوة بالنحاس المشغول، على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة، راعى الصناع حينذاك تكرارها في باب المنبر. مشكاوات زجاجية تتنوع روائع الفن في مسجد السلطان حسن، لا فرق في ذلك بين الثريات النحاسية والمشكاوات الزجاجية، وقد احتفظت دار الآثار العربية بالقاهرة بالكثير من هذه التحف النادرة وتعتبر من أدق وأجمل ما صنع في هذا العصر. وأنشئ المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، إذ يستطرق الإنسان من المدخل الرئيس إلى دركاة ثم ينثني يساراً إلى طرقة توصل إلى صحن مكشوف، تشرف عليه أربعة إيوانات متقابلة ومعقودة، أكبرها وأهمها إيوان القبلة، حيث تحصر بينها أربع مدارس لتعليم المذاهب الأربعة الإسلامية، كتب على كل من أبوابها: أمر بإنشائها السلطان الشهيد المرحوم الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون في شهور سنة 764 هجرية، ويتكون كل منها من صحن مكشوف وإيوان القبلة، فيما تحيط بالصحن مساكن خصصت حينذاك للطلبة، وهي مكونة من عدة طبقات بارتفاع المسجد. قبة معقودة تتوسط صحن المسجد قبة معقودة على مكان الوضوء تحملها ثمانية أعمدة رخامية، كتب بدائرتها آيات قرآنية، وفي نهايتها تاريخ إنشائها في عام 766 هجرية، وتحيط بدائرة إيوان القبلة وزرة رخامية، يتوسطها المحراب وعلى يمينه المنبر الرخامي الذي يعد من المنابر القليلة التي يمكن أن يشاهدها الزائر في بعض المساجد. وتبلغ مساحة القبة نحو 21 متراً، فيما يبلغ ارتفاعها نحو 48 متراً، ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السابع عشر، حيث حلت محل القبة القديمة، وتتميز القبة بوجود مقرنصات ضخمة من الخشب بأركانها، وقد نقش أحدها ليمثل ما كانت عليه باقي الأركان، وتكسو جدران القبة بارتفاع ثمانية أمتار وزرة رخامية، يعلوها طراز خشبي كبير مكتوب في نهايته تاريخ الفراغ من بناء القبة القديمة، سنة 764 هجرية. ولمسجد السلطان حسن وجهتان أولاهما الوجهة العمومية ويبلغ طولها 150 متراً، وتضم الواجهة شبابيك لمساكن الطلبة، وتنتهي من أعلى كما تنتهي الوجهة الشرقية والمدخل بكورنيش ضخم من المقرنص متعدد الحطات، يبلغ بروزه نحو 1.5 متر، وكانت تعلوه شرفات مورقة أزيلت عن الواجهة العمومية والمدخل في السنين الأخيرة للتخفيف عنه. مدخل عظيم بالطرف الغربي لهذه الوجهة يقوم المدخل العظيم الذي يبلغ ارتفاعه نحو 38 متراً، وهو يمتاز بضخامته وزخارفه المتنوعة المحفورة في الحجر أو الملبسة بالرخام، وبمقرنصاته الخلابة التي تغطي حجر الباب، أما الواجهة الثانية فهي المشرفة على ميدان صلاح الدين، وتتوسطها القبة التي تقوم على يمينها المنارة الكبيرة التي يبلغ ارتفاعها 84 متراً تقريباً، وعلى يسارها منارة صغيرة أقل من الأولى ارتفاعاً. بيت سلطان ولد صاحب المسجد سنة 735 هجرية، ونشأ في بيت ملك وسلطان؛ فأبوه هو السلطان الناصر محمد بن قلاوون، صاحب أزهى فترات الدولة المملوكية، تلك الفترة التي بلغت فيها الدولة ذروة قوتها ومجدها، وقد شاء الله أن يشهد الوليد الصغير ست سنوات من سنين حكم أبيه الزاهر، وقد خلف الأب ستة من الأبناء، لا يكاد يستقر أحدهم على الملك حتى يعزل أو يقتل ويتولى آخر، حتى جاء الدور على الناصر حسن، فتولى السلطنة صبياً غض الإهاب، لا يملك من الأمر شيئاً، قليل الخبرة والتجارب، فقيراً في القدرة على مواجهة الأمراء والكبار وتصريف الأمور، وما كاد السلطان الشاب يمسك بيده مقاليد الأمور حتى تآمر عليه الأمراء، فسارعوا إلى التخلص منه قبل أن يتخلص هو منهم، فخلعوه عن العرش، وبايعوا أخاه الملك صلاح الدين بن محمد بن قلاوون، وكان لا يتجاوز ال14 من عمره. ولم يكن حظ السلطان الجديد أسعد حالاً من أخيه السلطان حسن، فكان مقيد التصرف لا يبرم أمراً أو يصدر حكماً، وتجمعت السلطة في يد الأميرين صرغتمش وشيخون، وحين حاول أحد الأمراء الاستعانة بالسلطان لخلعهما والقبض عليهما سارعا إلى القبض على السلطان وإعادة أخيه الناصر حسن إلى الحكم مرة أخرى.
مشاركة :