أبرزت زيارة وزير الخارجية الهندي جاي شنكر الأخيرة إلى المالديف وسريلانكا كيف تضطلع الهند بدورها كبلد مستعد لمساعدة جيرانه. كما أنها عززت العلاقات مع هذين البلدين وبرهنت لكل من كولومبو وماليه أن نيودلهي صديق يمكنهما التعويل عليه في أوقات الشدة. في سريلانكا، التقى جاي شنكر مع كل القيادة السريلانكية، والتي شكرت الهند على «المساعدة القيّمة» خلال الأزمة الاقتصادية الحالية. وكانت الهند قد قدمت لسريلانكا 2,5 مليار دولار من المساعدات، شملت تبادل العملات وخطوطاً ائتمانيةً. وتعاني سريلانكا من أزمة مالية خانقة بسبب تراجع احتياطي النقد الأجنبي، عجزت معها البلاد عن دفع حتى ثمن الواردات من المواد الأساسية والاحتياجات اليومية. كما تعاني أزمة حقيقية تشمل انقطاعات طويلة في الكهرباء، بل حتى المستشفيات باتت تعاني وأصبحت البلاد عاجزة عن استيراد الأدوية والمعدات الكهربائية بسبب تراجع احتياطي العملة الصعبة. وإزاء هذه الضائقة، اضطرت البلاد إلى إغلاق عدد من سفاراتها في عدد من البلدان. بعيد زيارة الوزير الهندي، اندلعت احتجاجات واسعة ووقعت البلاد في أزمة سياسية عميقة اضطر معها الرئيس السيريلانكي غوتوبايا راجاباكسا إلى أن يطلب من المعارضة الانضمام إلى حكومته والعمل معاً من أجل إيجاد مخرج لأسوأ أزمة اقتصادية تلم ببلاده. لكن يوم الأحد كانت هناك استقالة جماعية لأعضاء حكومته، في وقت ما زالت فيه البلاد في حالة طوارئ أُعلنت عقب محاصرة حشد غاضب من السريلانكيين مقرَّ إقامة الرئيس السريلانكي، وتم خلالها توقيف 600 شخص. ويحمّل الحشد راجاباكسا مسؤوليةَ المشاكل التي تتخبط فيها البلاد. وكانت أحزاب المعارضة تطالب بحكومة تمثّل كلَّ الأحزاب من أجل المساعدة على إخراج البلد من أزمته الاقتصادية الخانقة. وتُعد الأزمة نتيجةَ لتضافر تأثيرات جائحة «كوفيد-19» على السياحة التي تُعد أكبر مصدر للدخل، إلى جانب عبء تسديد الديون وفوائدها المتراكمة. وفي الأثناء، تراقب الهند التطورات في سريلانكا، وهي على أهبة الاستعداد لتقديم يد المساعدة عندما ترغب هذه الدولة -الجزيرة في ذلك. وكان زعيم تحالف المعارضة السريلانكية ساجيث بريماداسا قد ناشد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المساعدةَ قدر المستطاع من أجل تخفيف الأزمة الاقتصادية التي تواجهها سريلاكا. وزار وزير الخارجية الهندي منشأةً نفطية تديرها «شركة النفط السريلانكية الهندية» التابعة لـ«شركة النفط الهندية»، وهي أحد أكبر مزودي سريلانكا بالوقود، وذلك من أجل الوقوف على أزمة المحروقات الحالية. وخلال هذه الزيارة وقّع البلدان ستَّ اتفاقيات، بما في ذلك اتفاقية حول إنشاء مشروع طاقة هجين للطاقة الشمسية والريحية في ثلاث جزر قبالة جافنا. وتم التوقيع بعد أن ألغت كولومبو في وقت متأخر من العام الماضي مشروعاً مماثلاً كان قد مُنح للصين عقب اعتراض هندي لدواع أمنية، على اعتبار أن موقع المشروع كان قريباً من ولاية تاميل نادو الهندية الواقعة جنوب البلاد. وفي جزر المالديف أيضاً، تزداد العلاقاتُ متانةً مع الرئيس إبراهيم محمد صوليح، الذي أعاد سياسة «الهند أولاً» عقب وصوله إلى السلطة في عام 2018. وكان الرئيس السابق عبد الله يمين قد نمّى العلاقات مع الصين على حساب الهند. لكن الحكومة الحالية، برئاسة أولئك الذين جاؤوا إلى السلطة في عام 2018، أعادت الاستقرار إلى العلاقات مع الهند وأعادت سياسة «الهند أولاً» المالديفية. وقد عانى اقتصاد المالديف القائم على السياحة كثيراً من تداعيات جائحة «كوفيد-19»، لكنه سجَّل تعافياً ملحوظاً هذا العام؛ إذ يتوقَّع بنك التنمية الآسيوي أن ينمو اقتصاد المالديف بنسبة 15 في المئة خلال العام الجاري. غير أن ارتفاع الديون ما زال يمثّل مشكلةً لهذا البلد الجُزُري الصغير. إذ بلغ دَينُه العامُ المضمون من الحكومة 5,6 مليار دولار في نهاية مارس 2021، أي ما يعادل 125% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقاً لمعطيات البنك العالمي. ويشير تقييم البنك الدولي إلى أن المالديف ما زالت في وضع عالي الخطورة جرَّاء أزمة الديون العامة الخارجية. وتقدّمت الهندُ بعدد من المبادرات للمالديف، فهي تساعدها على بناء جسر بقيمة 500 مليون دولار يربط أربعاً من جزرها، منافِسةً جسرَ الصداقة الذي بنته الصين بقيمة 200 مليون دولار. وفي الوقت الراهن، تشمل المشاريع التي تساهم الهند في إنجازها بالمنطقة مشاريعَ للمياه والصرف الصحي في 34 جزيرة، ومشاريع للاستصلاح الزراعي في جزيرة أخرى، وميناءً على غولهيفالهو، وإعادة تطوير مطار في هانيمادهو، ومستشفى وملعباً للكريكيت في هولهوماليه. وبشكل عام، فقد عملت الهند على تعزيز تواصلها مع بلدان المحيط الهندي خلال السنوات الأخيرة، وسط تنامي نفوذ الصين التي تقوم باستثمارات ضخمة في جنوب آسيا. والمحيط الهندي منطقة تعتبرها الهند جزءاً من فِنائها الخلفي، لكنها باتت تشعر الآن بضغط الحضور المتزايد للصين فيها. ورغم أن العلاقات الهندية مع المالديف وسريلانكا عرفت مداً وجزراً، فإنه من الواضح أن دور الهند في المنطقة حالياً هو دور الصديق الذي يهبّ لمساعدة صديقه وقت الضيق.
مشاركة :