لطالما قلق السريلانكيون من الهند، جارتهم العملاقة، وقد استعمل اليساريون والقوميون في سريلانكا هذا البلد كفزاعة طوال عقود، لكن أصبحت الهند اليوم أبرز مُموّلة للبلد الذي يواجه أزمة مالية خانقة، ولولا المساعدات الهندية، لا سيما في قطاع الوقود، لكان اقتصاد سريلانكا لينهار بالكامل. في الفترة الأخيرة، قررت ولاية «تاميل نادو» في جنوب الهند تقديم 40 ألف طن متري من الرز، و500 طن متري من الحليب البودرة، وكمية من الأدوية إلى سريلانكا، وفي 22 مايو وصلت إلى كولومبو سفينة تحمل 9 آلاف طن متري من الرز، و50 طناً مترياً من الحليب البودرة، وأكثر من 25 طناً مترياً من الأدوية ومستلزمات صيدلانية أخرى. تفوق قيمة هذه الشحنة 5.5 ملايين دولار، وقد سلّمها مفوض الهند السامي في كولمبو، غوبال باغلاي، إلى وزير الخارجية السريلانكي، جاميني لاكشمان بيريس. كذلك، أعلنت الهند أنها ستقدّم 65 ألف طن متري من سماد اليوريا، وأصبحت سريلانكا على شفير أزمة زراعية بسبب طريقة تطبيقها الكارثية لخطة الزراعة العضوية، ونظراً إلى ارتفاع أسعار الأسمدة بدرجة قياسية حول العالم، فمن المستبعد أن تتمكن سريلانكا من شراء الأسمدة بسعر السوق. يُفترض ألا يتفاجأ أحد بهذه المبادرات لأن الهند بدأت تأخذ مكان الصين تدريجاً، باعتبارها اللاعبة المُهيمِنة في سريلانكا منذ انتخاب الرئيس غوتابايا راجاباكسا في 2019، وهي مفارقة كبيرة لأن حزب «بودوجانا بيرامونا» الذي ينتمي إليه راجاباكسا كان يُعتبر موالياً للصين. في البداية، بدا وكأن الصين تتلقى معاملة خاصة من إدارة راجاباكسا، لكن الهند نجحت في كسب مشاريع مهمة واستبعاد الصين من معظم المبادرات البارزة بحلول 2022. من المستبعد أيضاً أن تقدّم أي إدارة أخرى التنازلات التي منحتها عائلة راجاباكسا إلى الهند، لا سيما تلك التي أعطت نيودلهي معقلاً خاصاً بها في مدينة «ترينكومالي»، مما يعني أن الهند تستفيد بدورها من الحفاظ على علاقتها الحالية مع سريلانكا. رحّبت معظم الأحزاب السياسية البارزة في سريلانكا بالمساعدات الهندية، لكن يخشى المنتقدون في أوساط اليساريين والقوميين أن يتوسّع نفوذ الهند في البلد وتصبح سيادة سريلانكا مُهددة نتيجةً لذلك، وقدّمت الهند نحو 3 مليارات دولار إلى سريلانكا التي تخلّفت عن سداد ديونها منذ شهر، وكانت تعرف جيداً أن كولمبو لن تتمكن من إعادة تلك المبالغ قبل مرور فترة طويلة، ولهذا السبب يظن منتقدو السياسة الهندية أن هذه التسهيلات المالية لا تحمل طابعاً تجارياً. يقول بابودا جاياغودا من حزب «الخط الأمامي الاشتراكي» إن الهند بدأت تستغل أزمة سريلانكا لمصلحتها منذ 2021: «استغل جيران البلد سوء أداء إدارة راجاباكسا التي ضخّمت المشاكل الاقتصادية في سريلانكا، ونظن أن الهند استغلت هذه الأزمة خدمةً لمصالحها الخاصة، فهي تطبّق أجندة جيوسياسية واضحة، وتتصرف مثل أي قوة بارزة في النظام الدولي، وحافظت سريلانكا على استقلالها الاستراتيجي حتى الفترة الأخيرة، رغم قربها الجغرافي من الهند، لكن هذا الوضع بدأ يتغيّر، ونتّجه للتحول إلى دولة تابعة للهند». هو يظن أن استمرار عهد راجاباكسا يخدم مصالح الهند لأن عدداً كبيراً من الشخصيات التي تعارض التدخل الأجنبي في العادة يبقى متحالفاً مع عائلة راجاباكسا، يوضح جاياغودا: «حين يحاول شخص مثل رئيس الوزراء، رانيل ويكرمسينغ، بيع أصول وطنية إلى دولة خارجية، لا مفر من تصاعد السخط العام، لكنّ معظم قادة الحركات التي تعارض التدخل الخارجي متحالفة مع راجاباكسا». في 24 مايو أعلن البنك الدولي أنه لا يخطط لتقديم حزمة تمويل جديدة إلى سريلانكا قبل أن تطرح كولمبو «إطاراً مناسباً لسياسة الاقتصاد الكلي»، واكتفت الصين أيضاً بتقديم مساعدات بقيمة 42.4 مليون دولار، ولم تتجاوب سريلانكا مع الجهود الصينية لتأمين الوقود: إنه مؤشر آخر على تدهور العلاقات بين بكين وإدارة راجاباكسا، كذلك، قدّمت اليابان مليونا ونصف المليون دولار لتأمين الأدوية فقط، وفي الوقت نفسه، يسمح العمال السريلانكيون في الخارج بتعويم عملة الروبية السريلانكية، لكنهم توقفوا عن تحويل الأموال إلى البلد، وتحتاج سريلانكا إلى دفع 530 مليون دولار مقابل إمدادات الوقود في يونيو القادم. نظراً إلى هذه الانتكاسات والردود الباهتة من شركاء سريلانكا الأساسيين الآخرين، أصبحت الإدارة الراهنة مضطرة للاتكال على السخاء الهندي، أقلّه على المدى القصير والمتوسط، وستكون الأشهر المقبلة كفيلة بتحديد التداعيات السياسية والجيوسياسية المحلية لهذه التبعية المستجدة. * راثيندرا كورويتا
مشاركة :