أحيانا امرأة واحدة تكفي

  • 12/4/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

هل تريد أن تعرف كيف استطاع الأدب السعودي أن ينتشر؟ كل ما احتاج إليه فقط فتاة لم تتجاوز الرابعة والعشرين من العمر، كي تحلق بمظلة الأدب السعودي بعيدا، وتسلط الأضواء على إنتاجه. أي احتاج إلى وجود امرأة كي يلتف العالم العربي إلى المحتوى الأدبي السعودي، رواية "ركيكة" بالمعايير الأدبية التقليدية، عبارة عن سرد لما يجري في حياة أربع فتيات، أشعلت الرأي العام، ليس في السعودية فحسب وإنما حتى في الساحات العربية. وهكذا نحن، ما زالت بعض الدول تضعنا خارج الضوء، أحيانا بإرادتنا وأحيانا أخرى رغما عنا، ويبدو أن كل ما نحتاج إليه امرأة تقود إعصارا، ولو كان تافها، كي تخرجنا من حلق الضيق إلى أوسع الطريق. أنا واحدة من اللواتي استفدن من نجاح رواية "بنات الرياض"، كان من السهل أن أقول لأي دار نشر، أنا شابة سعودية ولدي رواية أرغب في نشرها، حتى تشرع لي الأبواب، والتي كانت لعقود مضت موصدة بالحديد، لا تفتح إلا بحب "الخشوم"، كما نقولها في السعودية. لم يكن من السهل أن يكون لديك منتج أدبي، في ظل سيطرة وسلطة دور النشر اللبنانية التي كانت تحتكر سوق الكتب في ذلك الحين، كما كانت تمتص حقوق المؤلف الخليجي بشكل عام، مدّعية أن طباعتها كتبه هو فضل منها، وعليه أن يحمد الله طويلا، لا أن يطالب بحقوقه المادية. كما لا يمكن لنا أن نغفل تحيز دور النشر المصرية للإنتاج الأدبي وعنصريتها إلى حد كبير، وعدم جرأة أي مستثمر سعودي على تأسيس دار نشر كي تقدم أدبا وعلما مختلفا لمجتمعها المتعطش للقراءة والمعرفة. كل هذه العوامل، ساعدت على أن يكون المثقف السعودي في ذلك الوقت مغيبا عن الحشد الثقافي العربي إلا من رحم ربي، وأغلب الذين برزوا ثقافيا بدءا من ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل التسعينيات، لم يكونوا في حال من الرضا مع الوضع الاجتماعي أو السياسي في السعودية، ولهذا، اهتم بهم المثقفون العرب. بعد رواج رواية "بنات الرياض" للطبيبة رجاء الصانع، شعرت أغلب دور النشر العربية وبالذات اللبنانية، أنها وجدت الدجاجة التي تبيض ذهبا. ببساطة إنه المجتمع السعودي، الذي يرغب في أن يكتشف أحد ما أعماقه، فباتت تواقة للحصول على قاعدة جماهيرية عالية، حتى سعى عدد من قنواتها الفضائية إلى إعداد برامج مخصصة فقط للشعب المتلهف والمتعطش لأي فكرة تستمد من حياته اليومية، وعلينا أن نكون واقعيين لنقول إن هذه القنوات استطاعت أن تحقق أرباحا خيالية، ومشاهدات منقطعة النظير، وتحديدا من المواطن السعودي. مؤخرا فهمت القنوات الفضائية الممولة من التجار السعوديين قواعد اللعبة التجارية، والتي هي أقرب شبها من لعبة رواية "بنات الرياض"، أن تركز على خبايا هذا الوطن الجميل، والذي يشبه كل الأوطان، أن تبحث عن امرأة تواقة للشهرة، وميالة لأن تكون حياتها عبارة عن قارورة زجاج، يمكن للجميع رؤية تفاصيلها، وقذفها ورجمها، بينما هي تقبض من الطرف الآخر شيكا مفتوحا، سواء أكان هذا الشيك عبارة عن شهرة فقط، أو عبارة عن رغبة في أن يذكرها التاريخ. ما يمكنني أن أقوله، وربما قاله عشرات قبلي، إن دور النشر التي كانت في السابق، قبل أن تظهر دور نشر مختلفة الآن ومتعددة الاتجاهات، كانت كل ما تبحث عنه في كتبك، إعلانك الفاجر بالغضب عن مساوئ وطنك، ومن خلال منظورك الشخصي، أن تكون ساخطا على عرضه وشريعته وتاريخه، أن تجيد التنكيل وذبحه باقتدار، أن تتفحص خيباته وتنبش بها دون رحمة وتظهرها للعالم، وكأن أوطان العالم كلها خالية من غضب شعوبها، ولا تعاني بأشكال متفاوتة من الأسى والجوع والبطالة، بينما هذا الوطن الذي أعيش تحت سمائه، موصوم بتاريخ الخذلان من بعض أبنائه، وكأني لا أحتاج لكي أصل للشرفة الواسعة في الطابق المئة والعشرين في أكبر برج سكني بمدينة ما تقع في أي بقعة من هذا العالم، إلا أن أقدّم وطني طبقا ساخنا للإعلام الآخر. هذه حقيقة لا يمكن لنا أن نغفل عنها، وهي الواقع الملوث الذي عليك أن تتواجه معه. كل ما يحتاج إليه الإعلام الآخر، هو أن تكون هناك امرأة تقود وطنك إلى حيث تريد، لا إلى حيث الشعب يريد.

مشاركة :