تصاعدت على شبكات التواصل الاجتماعي، دعوات مطالبة بمقاطعة المنتجات والسلع التركية التي أغرقت الأسواق وألحقت أضرارا كبيرة بالصناعة المحلية وبالاقتصاد التونسي، كما غزت السلع التركية الأسواق التونسية، وقطعت الطريق أمامها للمنافسة في ليبيا، خصوصا في ظل تنامي ممارسات التهريب والاحتكار. وزادت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المنتقدة لإجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد، وفي مقدّمتها حلّ البرلمان، واعتبرتها السلطات التونسية، تدخّلا في الشأن الداخلي، من وتيرة القلق التونسي، ما دفع عدّة أطراف إلى المطالبة بمقاطعة المنتجات التركية في الأسواق المحلية. وانتقد أردوغان بشدة الثلاثاء، قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد حل البرلمان الأسبوع الماضي، واصفا ذلك بأنه “تشويه للديمقراطية” وضربة لإرادة الشعب، وهو ما اعتبرته تونس تدخّلا في الشأن الداخلي. وأطلقت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحث على مقاطعة كل المنتجات التركية، من أجل وقف نزيف إغراق البلاد بالبضائع التركية ووضع حدّ لسيطرة أنقرة على السوق التونسية، فضلا عن التحفيز على استهلاك المنتجات المحليّة. حسن بن جنانة: مطالب المقاطعة موجودة منذ سنوات لكنّها لم تُفعّل وشهدت المبادلات التجارية عجزا غير مسبوق لصالح الاقتصاد التركي، وفتحت الأسواق التونسية أمام البضائع التركية خاصة في مجال الصناعات الغذائية والاستهلاكية وقطاع النسيج والأدوات المنزلية، واستأثرت الشركات التركية بالحصة الأكبر من الصفقات الكبرى. وبلغ عجز تونس التجاري مع تركيا 2.5 مليار دينار (900 مليون دولار) في 2021، وهو يمثّل ثالث أكبر عجز تجاري لتونس بعد الصين وإيطاليا. وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “هناك خلطا بين مجال اتفاقية التجارة الحرّة المبرمة سنة 2004، وهي اتفاقية لها مزايا وشروط، وكذلك بين المستوى السياسي بين تونس وتركيا”. وأضاف لـ”العرب”، “كنت أودّ أن تكون تصريحات الرئيس التركي الأخيرة في اتجاه كل الأطراف، ولدينا بند تفعيل شرط حماية الاقتصاد التونسي من خطر الإغراق بالسلع التركية، وهو تفعيل مفروض في هذا الظرف بموجب المصلحة التونسية”. وتابع ثابت “الخلل في أزمة الاقتصاد التونسي، والأزمة الحقيقية هي أننا نملك اقتصادا لا ينتج القيمة المضافة، وفقد القدرة التنافسية”، وقال “مقاطعة السلع تكون مع سياق استراتيجي واضح للدولة، ولا بد من النظر في الميزان التجاري بمكوناته، ولا بدّ من تحليل ذلك العجز في الميزان التجاري لصالح تركيا”. وطرحت تونس مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، إثر تضرّر اقتصادها في السنوات العشر الأخيرة، وبلوغ العجز التجاري إلى ما يزيد عن مليار دولار. وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي في تصريح لـ”العرب”، “تونس تورّد المواد الأولية ومواد التصنيع، وهناك مشكلة في العجز التجاري لصالح تركيا”، معتبرا أنه “يوجد خلط بين الجانب السياسي والاقتصادي، ولا بدّ من تقييم جدّي للوضع”. وبخصوص استغلال الجانب التركي للمنتجات والسلع التونسية خصوصا في الأسواق الليبية، قال الشكندالي إن “المنافسين كثيرا ما يستعملون هذا النوع من المغالطات لكسب السوق وتحقيق أهداف ربحية”. وتستورد تونس من تركيا حوالي 90 مادة من بينها نباتات الزينة وآلات الموسيقى والمواد المكتبية ومختلف المواد الغذائية، بما ذلك المياه المعلبة والحليب ومواد البناء والخشب والأثاث. واعتبر خبراء الاقتصاد، أن الاتفاقية لم تعد لها أهداف اقتصادية، بل أخذت منحى سياسيا وأيديولوجيا بعد أن تسلمت حركة النهضة السلطة، ومع الاتفاقية أخذت تونس قرضا تجاريا (حوالي 71.9 مليون دولار)، وهو الأول من نوعه لتوريد السلع على حساب السلع التونسية المحلية وكلها مواد استهلاكية. واعتبر الخبير الاقتصادي حسن بن جنانة أن “غزو السلع التركية للأسواق التونسية، تمّ في عهد حكومة الترويكا (2011 و2014)، وتمّ بمقتضاها تدفّق السلع بصفة مهولة على غرار المواد الاستهلاكية وغيرها”. وقال لـ”العرب”، “مطالب المقاطعة موجودة منذ سنوات، لكنّها لم تُفعّل، وربما لا تعطي حلولا منتظرة في هذه الفترة لأن السلع موجودة بكثرة في الأسواق المحليّة، وقتلت المنتوج التونسي خاصة في الملابس الجاهزة والأحذية، ما أدى إلى تراجع صناعة الملابس”. وأردف بن جنانة “طالبنا منذ سنتي 2013 و2014، بتفعيل المقاطعة، ويبدو أنه لا توجد حلول آنية للمشكلة، بل هناك حلول يمكن اعتمادها على المدى الطويل من ضمنها مقاومة هذه الاتفاقية المبرمة بين أنقرة والحكومة التونسية، مع تشجيع الإنتاج المحلي ورفع كل القيود أمامه”. وأشار إلى أن “العجز التجاري مع تركيا ناهز ألف مليار، دون احتساب العجز المتأتي من معضلة التهريب الذي قد يضاعف تلك المبالغ”، لافتا أن “الهدف من الاتفاقية كان سياسيا بالأساس، وتزامن مع وقف إنتاج الفوسفات في تونس”. انتهت المصالح المشتركة انتهت المصالح المشتركة وحسب خبراء، تضرّرت منذ عام 2013، المئات من الشركات والمصانع التونسية إما بتراجع إنتاجها وإما إغلاقها نهائيا ومن بينها خاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة العاملة في مجال النسيج والصناعات المعملية مما تسبب في بطالة الآلاف من الشباب. وتعود بداية العلاقات التجارية التونسية التركية إلى تاريخ الخامس والعشرين من نوفمبر 2004، عندما وقّع البلدان اتفاقية التجارة الحرة. وفي سنة 2005، أصبحت جميع المنتجات الصناعية معفاة بالكامل من الرسوم الجمركية، كما نصت الاتفاقية على أن عددا من المنتوجات الفلاحية معفاة إلى حدود سقف معين، مثلا بالنسبة إلى التمور التونسية معفاة إلى حدود 5 آلاف طن. وتصاعدت الدعوات المنادية بمراجعة الاتفاقيات التجارية مع أنقرة التي استفادت من تعديلات أدخلت على اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين البلدين في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي منحتها امتيازات ضريبية، وذلك للحد من الغزو التركي لتونس. غزو السلع التركية للأسواق التونسية، تمّ في عهد حكومة الترويكا، وتمّ بمقتضاها تدفّق السلع بصفة مهولة على غرار المواد الاستهلاكية وغيرها وفي وقت سابق، أعربت السلطات التونسية عن مراجعة الاتفاقيات التجارية المبرمة مع تركيا منذ أكثر من ستّة عشر عاما، بعد تضرّر الاقتصاد المحلي وتفاقم نسبة العجز التجاري، بسبب تحويلها من توجه اقتصادي إلى مصالح سياسية تخدم بالأساس مصالح حركة النهضة وأنقرة. وصرّح وزير التجارة محمد بوسعيد في مقابلة مع صحيفة محلية أن بلاده “تعمل على مراجعة تلك الاتفاقية، في محاولة لحماية الإنتاج الوطني”، معتبرا أن الميزان التجاري كان غير موات لتونس. بدوره، قال مدير التعاون مع أوروبا في وزارة التجارة وتنمية الصادرات نبيل العرفاوي، إنّه “من المنتظر عقد اجتماع مع وفد تركي سيخصّص لتقييم الاتفاقية بعد ست عشرة سنة من دخولها حيّز التنفيذ”. وطالبت عدة منظمات من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) والمنظمة التونسية لإرشاد المستهلك وكذلك التجار التونسيون، بضرورة تجميد اتفاق التبادل الحر المعمول به مع تركيا، وفتح مفاوضات لإرساء اتفاق جديد يراعي مبدأ توازن المصالح الاقتصادية بين البلدين. وعلى الرغم من أن الاتفاقية موقعة عام 2005، إلا أنه منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي عام 2011، وصعود حركة النهضة إلى الحكم، تثير طبيعة العلاقة الاقتصادية بين تونس وأنقرة تساؤلات كثيرة. وشهدت المبادلات التجارية عجزا غير مسبوق لصالح الاقتصاد التركي، وفتحت الأسواق التونسية أمام البضائع التركية خاصة في مجال الصناعات الغذائية والاستهلاكية وقطاع النسيج والأدوات المنزلية ومواد أخرى يتم تصنيعها في تونس بجودة أفضل، وكذلك أمام الشركات التركية للاستئثار بالحصة الأكبر من الصفقات الكبرى، وهو ما تسبب في إنهاك الاقتصاد التونسي، وضرب الإنتاج المحلي وإفلاس شركات تونسية. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :