عبر أكثر من عشر سنوات عبث النهضويون (أعضاء حركة النهضة الإسلامية) بالحياة السياسية في تونس وبمصائر الفئات والطبقات الاجتماعية الأضعف على المستوى الاقتصادي وكان الأصعب مما فعلوه أنهم دفعوا مفهوم الوعي الوطني إلى التهلكة. ذلك لأن حركة النهضة باعتبارها فرعا محليا من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين العالمي لا تؤمن بفكرة الدولة الوطنية وهدفها الأساس يكمن في إقامة الدولة الإسلامية القائمة على أسس الخلافة المستعادة من التاريخ. وبغض النظر عن محاولات راشد الغنوشي زعيم النهضة لترقيع تلك الفجوة، فإن تحول حركة النهضة إلى حزب وطني تقف أمامه المنطلقات النظرية الراسخة للحركة. فليس لدى الحركة مشروع سياسي وطني وهو ما فضحه تمكنها من الحكم عبر عشر سنوات عمت فيها الفوضى وكانت الأوضاع الاقتصادية تسير من سيء إلى أسوأ بسبب تفشي الفساد الذي لا تحرمه شريعة الحركة. لقد كان حكم النهضة نموذجا صارخا للفشل في تصريف شؤون الدولة التي اعتبروها حصنا للدفاع عن المشروع الإخواني. لذلك فإن النهضة بعد ذلك الفشل في بلد تربى أبناؤه على الحقوق المدنية لم تعد تقوى على تمرير حيل مشروعها الديني الذي يستند أصلا على وعود بحياة أفضل لكن في الآخرة وليس في الدنيا. بل أنها لم تعد قادرة على الدفاع عما تسميه حقها في المشاركة في العملية السياسية إلى جانب القوى والأحزاب والمنظمات الوطنية. لقد فقدت النهضة ذلك الحق لأنها تخلت عنه يوم صار النهضويون يلقبون زعيمهم الغنوشي بالشيخ وهو لقب ديني لا يناسب المزاج المدني التونسي. في البدء خدعت حركة النهضة التونسيين بتمسكها بالدين الذي يعني بالنسبة إلى بسطاء وفقراء تونس النزاهة والتعفف والعدالة والزهد والمساواة والشفافية ولكن تبين في ما بعد أن الأمر لم يكن كذلك. لقد سنت الحركة قوانين من أجل إثراء أعضائها لتميزهم عن سواهم من الشعب باعتبارهم قد تعرضوا للظلم في العهد السابق وكانت تلك الخطوة بداية لكي تتسع المسافة ما بين الحركة وبين الشعب. كانت المسافة تزداد سعة بين النهضة والشعب إلى أن حدثت القطيعة التي عبر عنها تخلي الشعب عن الحركة حين أطلق الرئيس التونسي العنان لحركة الإصلاح في يوليو الماضي بدءا من تجميد مجلس نواب الشعب الذي يترأسه راشد الغنوشي وتلعب بقراراته أغلبية دينية تترأسها حركة النهضة والنفعيون المتحالفون معها من أمثال نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس، وهو رجل أعمال سبق أن سُجن بسبب شبهات فساد. كان الغنوشي بسبب انقطاعه عن البشر الذين ضللهم يتوقع أن الناس سيخرجون إلى الشوارع في تظاهرات احتجاجا على إجراءات الرئيس سعيد. غير أن شيئا من ذلك لم يحدث. أما حين دعا إلى عقد جلسة لمجلس الشعب فإن أحدا من النواب لم يحضر. لم يكن الغنوشي يصدق أن هالة الشيخ قد انطفأت. أجمل ما في الرئيس التونسي أنه لم يسع إلى التفاهم مع راشد الغنوشي الذي انتهى رسميا ما أن تم تجميد مجلس الشعب الذي يترأسه. أما وقد حُل ذلك المجلس فإن الرجل فقد حصانته وصار من الممكن أن يتم اقتياده إلى أقرب مخفر للشرطة بتهم كثيرة، يقول التونسيون إنها يمكن أن توجه له. كانت تونس في حاجة إلى هدوء الرئيس سعيد وحنكته في مواجهة صبيانية حركة النهضة وتهورها وسلطنتها التي تكشف عن عمق تلاعبها بالقانون وتضليلها لعقول الناس ورغبتها في التضحية بتونس والتونسيين من أجل أن تتمكن جماعة الإخوان المسلمين من إحكام سيطرتها على العالم العربي. لا حوار اليوم مع حركة النهضة. فالمسألة تتعلق بالوطن. عشر سنوات أثبتت أن حركة النهضة ليست جزءا من الوطن. صار وصم التونسيين بالإرهابيين دارجا حين لم تتحرك حكومات النهضة وحلفاؤها لمنع تسفيرهم إلى سوريا، ثم مع ما ساد من تشويه لسمعة تونس بما قيل عن جهاد النكاح. عبثت بالمال العام، وزادت الفقراء فقرا وسعت للانتقاص من حقوق المرأة في القانون العام. وكما يبدو لي فإن الحوار مع حركة النهضة قد تحول إلى نوع من المحرمات الوطنية. ثم ما الذي ينفع من ذلك الحوار؟ لا شيء. لقد فقدت حركة النهضة شعبيتها إضافة إلى أنه ليس لدى تلك الحركة ما تقوله. من الطبيعي أن لا يكون لحركة النهضة مكان في الحوار الوطني التونسي.
مشاركة :