لدي «انطباع» يكاد يرقى لدرجة اليقين، أن تحولاً ضخمًا وعميقًا وجديدًا يلف حياة البشرية، هو السبب الأول، وليس الوحيد، في جل ما نراه من اضطرابات كبرى. أتحدث بوضوح عن مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، التي فجرت أنماط التواصل بين بني الإنسان، ودمرت البنى التقليدية التي صممتها التجربة الإنسانية على مدى القرون، وتسببت بـ«ربكة» هائلة في كيفية النظر للذات والهوية والعالم من حولنا. بل تسببت في ضرب الأسرة الصغيرة في الصميم، الأسرة المكونة من الأب والأم والأولاد. من تلك المضار التي جلبتها «السوشيال ميديا»، توفير قنوات اتصال وتبادل خبرات الشر بين كل المنخرطين في عالمها، وهو الأمر الذي استفادت منه جماعة كـ«داعش» غاية الاستفادة، وما زلت أكرر، باقتناع، أنه لو جردت «داعش» من هذه الميزة، لتضاءل حجمها كثيرًا.. كثيرًا. هذا الكلام قيل مرارًا هنا، ورفضه كثير من عشاق «السوشيال ميديا»، وهاجوا وماجوا، ولكن هل يلام المدمن على «الأعراض الانسحابية» التي قد يشعر بها إذا جرد من مادة إدمانه؟! المفارقة بعد هذا الكلام كله، أنني اكتشفت وجود حساب مزيف باسمي على تطبيق «تويتر»، بعد كل هذه الكلمات الودية التي قلتها عنه! (علما بأنني لا أملك أي حساب في «تويتر»)، لكن هكذا صار. الزميلة داليا عاصم، في هذه الصحيفة، كانت رسالتها للماجستير في جامعة الإسكندرية «ثقافة الفضاء الافتراضي ورأس المال الاجتماعي: دراسة استطلاعية لآليات التفاعل الاجتماعي على موقع فيسبوك». أجرت مسحًا واسعًا على مستخدمي هذه التطبيقات، خاصة «فيسبوك»، فهو الأكثر انتشارًا في مصر، وخرجت بنتائج مثيرة. من أهمها أنه ربما بحلول 2050 سيصبح كل البشر بلا أسرار ولا خصوصيات، وقد سبق أن قيل هنا، إن مفهوم «الفضيحة» والسر نفسه، سيتغير، أو تغير بالفعل، مع طوفان «السوشيال ميديا» اليومي، وهذه بحد ذاتها نتيجة خطيرة في أثرها على مستقبل العلاقات بين الناس، وتحطم القيم، كل القيم، فمن لا خصوصية له يحامي عنها، مم يخشى أو يخجل؟! من أهم ما خرجت به داليا في دراستها، وقد نوهت عنه في مدونة لها في هذه الصحيفة، بعنوان «عبيد السوشيال ميديا»، أن الأنثروبولوجيا التي تركز على قراءة ثقافة المرء المتكونة من الوسط المباشر المحيط به، صارت قديمة مع وجود مجتمع «افتراضي» يكون ثقافة المرء، خاصة الشباب. إنها سطوة القهر الجماعي العام، حتى لمن ليس له حساب على هذه التطبيقات، وكما قالت: «من لا بروفايل له.. لا وجود له! وقد يجد من ينتحل شخصيته إلكترونيًا». الله المستعان.
مشاركة :