لا تزال نداءات المسحراتي تصدح في بعض أحياء دمشق لتوقظ الصائمين على الرغم من التقدم التكنولوجي، مهنة تراثية قديمة تكافح الاندثار، وتكتسب بريقاً ووهجاً من شهر رمضان المبارك شهر الخير والإحسان. كلماته تضفي روحانية في هذا الشهر الفضيل، والطبلة والعصا والسلة أدواته الأساسية، وجمع الوجبات التي يتبرع بها الأهالي وتوزيعها على الفقراء والمساكين لا تزال جزءاً من عمله. مهنة تراثية يقول محمود صوان، الذي يعمل مسحراً في حي القيمرية بدمشق، إن «المسحراتي هي مهنة تراثية، وأحد طقوس البيئة الشامية الرمضانية كالحكواتي، حيث يطوف على بيوت حارته قبل موعد أذان الفجر بساعتين ليكون هناك وقت كاف للناس لتحضير طعام السحور». وأضاف صوان، المعروف بلقب «أبو الهيجا»: «إن المسحراتي هو من فاعلي الخير بالدرجة الأولى، لأن إيقاظ الناس على موعد السحور في رمضان مسؤولية كبيرة، فهو الرجل المنبه في زمن لم يكن فيه منبه»، لافتاً إلى أن «المسحراتي سابقاً لم يكن يولي الناحية المادية أهمية كبيرة، حيث يوجد في كل حارة من حارات دمشق المقتدرون والفقراء، وليس بمقدور الجميع أن يعطي للمسحراتي العيدية». وتابع صوان: «أما اليوم فتحولت مهنة المسحر إلى مسألة مادية، كما أن الأمور اختلفت كثيراً الآن، إذ أصبح لدى كل شخص هاتف ذكي يستطيع أن يضبط فيه المنبه بالوقت الذي يريده، بالإضافة إلى أن معظم الناس اليوم تسهر لساعات متأخرة من الليل لتشاهد المسلسلات أو في المطاعم». مواصفات يقول صوان: «ليس بمقدور أي شخص أن يصبح مسحراتياً، بل يجب أن يتمتع بصوت جميل حنون ومستساغ للناس، ويجب أن يكون المسحراتي شخصاً رحمانياً وروحانياً وصبوراً لأن المسؤولية التي تقع على عاتقه كبيرة، فمن لم يستيقظ ويتسحر لن يستطيع أن يكمل صيامه حتى آذان المغرب، وإن أكمله فيكون بصعوبة وخاصة في فصل الصيف». ويتابع صوان: «إن المسحراتي يجب أن يعرف كل سكان حارته ويعرف طباعهم، فهناك على سبيل المثال من يستغرق في النوم ولا يستيقظ بسهولة، وهنا يجب أن يستمر المسحراتي في قرع باب بيته حتى يستيقظ». اختيار المسحراتي لا يصلح أي شخص لممارسة هذه المهنة، حيث يقول صوان: «في قديم الزمان كان عضوات الحارة (الوجهاء) هم من يختارون المسحراتي، إذ يجب أن يكون رجلاً محترماً وذا دين وأخلاق يحفظ أسرار الحارة التي يعمل بها وكرامات الناس». ويضيف صوان: «إن هذه المهنة كانت تورث في بعض الأحيان إلى الأبناء إن كانوا على خلق، كما أن المسحراتي كان في بعض الأحيان يصطحب أحد أبنائه ليعلمه المهنة وأحياناً ليساعده في عمله عند تقدمه بالسن». وتابع صوان: «أما اليوم فإن المسحراتي يجب أن يحصل على ترخيص رسمي من محافظة دمشق حتى يتمكن من مزاولة هذه المهنة». أدوات المسحراتي مثلها مثل باقي المهن لها أدواتها الخاصة بها، إذ يعتبر صوان أن الطبلة، وهي عبارة عن صحن فخار عميق، يوضع عليه جلد ماعز مشدود، والعصا من الخيزران ناعمة يدق بها ألحاناً مسموعة ومحببة وبإيقاع خاص هي أدوات المسحراتي الأساسية. ويتابع صوان: «كما يحمل المسحراتي سلة من القش مغطاة بمنديل يجمع فيها وجبات طعام (سكبة) فمن المعروف أنه في شهر رمضان يخرج الناس زكاة أموالهم وتبرعات وصدقات فاعلي الخير، ويقوم بتوزيعها على العائلات الفقيرة في الحارة سراً، كما يفعل هذا الأمر خلال الإفطار». ومن الهتافات التي يرددها المسحراتي، يعتبر صوان أن هناك عبارات معروفة يتم ترديدها مثل «يا نايم وحد الدايم، ما في حدا بالدنيا دايم، يا نايم وحد الله، يا نايم اذكر الله، قوموا على سحوركم أجا رمضان يزوركن، رمضان هل وابتهل، جيت يا شهر الخير». ويتابع: هناك من يعملون بهذه المهنة يمتلكون روحاً مرحة تنعكس على هتافاتهم مثل أن يردد المسحراتي «يا نايم وحد ربك، صحن العوامة بجنبك، كول قد ما بدك، حتى يرضى ربك»، وهناك من يمازح الأطفال مردداً «البرغوت المعاني، صوت معشش بأداني، مديت إيدي وفركتو، عنفص وجاب ولاد أخته، ولاد أخته الشجعاني، أولاد أخته الكدعاني، 100 بدقوا بالطبل و100 بينفخوا بالزمر، جننوني بجدياني، هربت منون عالتربة، لحقوني سربة سربة، وكسرت طبلي وفداني». العيدية يقول صوان إنه «في آخر يوم في رمضان يقول المسحراتي: رحت يا شهر الخير كنت مآنسنا، رحت يا شهر البركة، قوموا ودعوا». ويختم صوان: «إن أول يوم العيد عند الساعة التاسعة صباحاً بعد أن يعود الناس من صلاة العيد، يدق على طبلته، ويقرع على أبواب البيوت ويأخذ العيدية، وفي حال لم يجد أحداً في المنزل يضع إشارة ويعود إليهم في اليوم الثاني من أيام العيد، وأيضاً يكرر هذا الأمر في عيد الأضحى ويأخذ عيدية أيضاً». طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :