بقلم: آدريان جولمس لم يحقق انتخاب الرئيس جو بايدن ودخوله البيت الأبيض في 2 يناير 2021 الهدوء الذي كانت تتطلع إليه الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أصبحت بلاد العم سام بلادا أكثر انقسامًا من أي وقت مضى، بل إن البعض يقولون إنها باتت على حافة حرب أهلية. وفقًا للعديد من المثقفين تشعر الولايات المتحدة الأمريكية بالكثير من القلق. بعد مرور سنة واحدة على تنصيب جو بايدن في 20 يناير 2021، لا تزال الأجواء ثقيلة وحالة الاستقطاب والانقسام على أشدها. فبدلاً من العودة إلى الوضع الطبيعي الموعود به عندما تولى منصبه، لم تعد ولايته تبدو وكأنها فترة راحة. توقف بايدن عن التذرع بـ«روح أمريكا»، أو السعي إلى «خفض درجة الحرارة». ألقى الرئيس جو بايدن مؤخرا خطابًا مقلقا في أتلانتا دعا فيه إلى إصلاح عاجل للنظام الانتخابي، حيث قال محذرا: «في حياتنا وفي حياة أمتنا، هناك لحظات مهمة جدًا لدرجة أنها تفصل بين كل ما حدث من قبل وكل ما تبعه.. إنها لحظات تفصل ما بين بين التافه والأساسي وتجبرنا على مواجهة الحقائق الصعبة عن أنفسنا ومؤسساتنا وديمقراطيتنا». ولكن بدلاً من الدعوة إلى الوحدة فقد وجه جو بايدن الاتهام إلى جميع المسؤولين المنتخبين الذين لن يمرروا مشاريع القوانين الانتخابية التي صاغها الحزب الديمقراطي: «القوى في أمريكا التي تقدم القوة على المبدأ، القوى التي حاولت الانقلاب على الإرادة المعبر عنها قانونًا للشعب الأمريكي، إثارة الشكوك واختلاق اتهامات بالتزوير والسعي لسرقة انتخابات 2020.. هل نختار الديمقراطية على الأوتوقراطية، والضوء على الظل، والعدالة على الظلم؟». لقد أصبح الرئيس جو بايدن الآن يثير الانقسامات بنفس القدر الذي طالما سببه سلفه. فقد تم الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير في جوّ من عدم الثقة والانقسام العميق بين دولتين لم تعودا تفهمان بعضهما البعض. ندد الديمقراطيون بالتهديد الذي يقولون إنه لا يزال يهيمن على الديمقراطية الأمريكية. تهرب الجمهوريون المنتخبون من الحفل الذي نظمه بايدن، وانتقدوا التوظيف السياسي لهذا الحدث من قبل خصومهم الديمقراطيين. بعد تلك النشوة الانتصارية التي غمرت الديمقراطيين في فصل الربيع الماضي، يخشى الديمقراطيون الآن فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر 2022 وبالتالي خسارة أغلبيتهم في مجلس النواب الأمريكي، وربما حتى في مجلس الشيوخ.. وفوق كل شيء، احتمال عودة ترامب إلى السلطة في عام 2024، تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية. أما في المعسكر الجمهوري فإن أولئك الذين استطاعوا مهادنة جو بايدن لم يعودوا يخفون ازدراءهم لهذا الرئيس الذي يبدو خاضعًا للجناح الأكثر راديكالية في حزبه، وغير قادر على الاستمرار في المسار في أوقات الأزمات. أما الأكثر تشدداً فهم لا يزالون يهاجمون جو بايدن ويطعنون في شرعيته ويهينونه علانية. أصبحت الشروخ والانقسامات تطول المجتمع الأمريكي بشأن كل موضوع تقريبًا، فضلا عن تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وبقية متحوراته التي تزيد في تفاقم مناخ عدم الثقة. فقد أصبح كل شيء محلّ جدل حادّ، من محاولات جعل التطعيم إجباريًا إلى ارتداء الأقنعة.. وقد تفاقم التضخم وارتفعت الأسعار، وخاصة أسعار الوقود، بسبب النقص الجديد في المخازن. لقد أصبح الوضع السياسي مشحونا أكثر من أي وقت سابق. فقد أصبحت أقدم ديمقراطية في التاريخ المعاصر تطرح على نفسها الآن أسئلة وجودية. تتكاثر التوقعات المقلقة وتتفاقم الشكوك حول صلابة النظام الجمهوري. حذر الصحفي بارتون جيلمان في العدد الأخير من مجلة ذي أتلانتيك من أن «6 يناير كان مجرد بروفة.. لقد اقترب دونالد ترامب أكثر مما نعتقد من تخريب الانتخابات الحرة قبل عام من الآن. إنه يستعد علانية للبدء من جديد، وهو يوسع كل يوم من قاعدته الشعبية». يثير هذا المناخ بعض المخاوف في بلد يمتلك مواطنوه أسلحة أكثر من أي دولة متقدمة أخرى. لم يعد علماء السياسة يستبعدون احتمال رؤية هذه الانقسامات تؤدي إلى نوع جديد من الحرب الأهلية. حذر المؤرخ تيموثي سنايدر، الأستاذ في جامعة ييل المتخصص في أوروبا الشرقية، من هذه التطورات الوخيمة حيث يقول: «بالنسبة لأولئك الذين يدرسون أصول الحروب الأهلية، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن كفئة من الأحداث، أمريكا لا تبدو بحالة جيدة». يضيف هذا الأستاذ الأكاديمي في حوار أجرته معه «ذا إنسايدر» أن علماء الاجتماع الذين يعملون بالفعل على هذا الأمر، بطريقة محايدة، يرون مؤشرات تشير إلى أننا على وشك الدخول في نوع من الصراع». باربرا ف. والتر عالمة السياسة بجامعة سان دييغو -وهي متخصصة في النزاعات الداخلية حول العالم وتطبق شبكتها الإحصائية القائمة على الحروب الأهلية المعاصرة على الولايات المتحدة- ألفت كتابا بعنوان «كيف تبدأ الحرب الأهلية؟»، وهو يعتبر من بين الكتب الأكثر رواجا وقراءة في الولايات المتحدة الأمريكية. تعتبر باربرا ف. والتر أن هناك ثلاثة عوامل تجعل مثل هذا السيناريو الوخيم ممكنا.. تتمثل هذه العوامل في تآكل الثقة في المؤسسات وانجراف الديمقراطية نحو دولة وسيطة، تسميها «الأنوقراطية». بالإضافة إلى تطور آفة «الانتماءات الحزبية»، التي تكرس الشعور بالانتماء إلى مجموعة عرقية أو دينية أو سياسية بدل الشعور بالانتماء إلى بلد ما. تتحدث باربرا ف. والتر في كتابها أيضا عن شعور مجموعة كانت مهيمنة بفقدان مكانتها. وفقًا لها، تتطور هذه العوامل الثلاثة بطريقة مزعجة في الولايات المتحدة وهو ما جعلها تقول محذرة: «نحن أنوقراطية فئوية تقترب بسرعة من مرحلة الانتفاضة المفتوحة، ما يعني أننا أقرب إلى الحرب الأهلية أكثر مما يودّ أي منا تصديقه». أما الكتاب الثاني الذي يلقى رواجا كبيرا فهم يحمل عنوان «الحرب الأهلية القادمة» فقد ألفه الأكاديمي الكندي ستيفن ماركي، وهو يمزج ما بين الخيال والتفكير السياسي في وصف المستقبل القريب للولايات المتحدة. يقول المؤلف: «لا يوجد سبب واحد لاشتعال شرارة حرب أهلية، بل إن هناك العديد من العوامل التي تسهم في جر مجتمع مزدهر ومسالم نحو العنف. يرى المتخصصون الذين يدرسون الحروب الأهلية في الخارج الآن نماذجهم مستنسخة في أغنى دولة في العالم، صاحبة أكبر قوة عسكرية في التاريخ». هناك أيضا أزمة ثقة حادة أيضًا في المعسكر الجمهوري، حيث إن هناك أيضا اقتناعا بأن الديمقراطية الأمريكية في خطر. من هذا المنظور، يأتي التهديد من حزب ديمقراطي تقوده جماعات أيديولوجية، ومدعوم من عمالقة التكنولوجيا في الساحل الغربي، المهيمن في وسائل الإعلام ويسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي. سيكونون في طريقهم لفرض حكومة تكنوقراطية وقوية لن يكون للمواطنين رأي فيها بعد الآن. يذكر الجمهوريون أيضًا أن دور حزبهم كان حاسمًا في الدفاع عن نتيجة انتخابات 2020، مستشهدين على وجه الخصوص بنائب الرئيس مايك بنس والسيناتور ميتش ماكونيل في الكونجرس، ولكن أيضًا المسؤولين المنتخبين والقضاة في الولايات المتنازع عليها، والتي وقفت بحزم في مواجهة الضغط الذي مارسته السلطة التنفيذية. يرى هؤلاء أيضا أن النظام الانتخابي اللامركزي له مزايا عديدة، وأن القوانين التي تم تبنيها مؤخرًا في حوالي عشرين ولاية جمهورية لا تهدف إلى تقليص حقوق المواطنين، بل تهدف إلى ضمان مصداقية الانتخابات، واستعادة الثقة بالمستقبل. أجاب ميتش مكونيل على صرخة التحذير من جو بايدن بشأن التهديد الذي يثقل كاهل الديمقراطية الأمريكية: «إن الشعب الأمريكي لا يؤمن بالخطابات غير المنطقية بشأن أزمة الحق في التصويت». «هذا الغضب الزائف هو مجرد ذريعة للديمقراطيين في واشنطن للقيام بما كانوا يسعون إليه منذ سنوات... استيلاء واسع النطاق على ديمقراطيتنا». قال برادلي سميث، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كابيتال في كولومبوس بولاية أوهايو: «لست متأكدًا من أننا نمر بأزمة هيكلية... الاتهامات بقمع الناخبين هستيرية بعض الشيء. نظامنا الانتخابي يعمل بشكل جيد بشكل ملحوظ. ما يفرقنا هو بالأحرى الاتهامات المتبادلة: يدعي جانب أنه كان هناك تزوير واسع النطاق، فيما يدعي الجانب الآخر أن الناخبين ممنوعون من التصويت». يضيف برادلي سميث قوله: «الإصلاح الأكثر أهمية وفائدة هو قانون العد الانتخابي لعام 1877 (الذي استند إليه بعض الجمهوريين في 6 يناير 2021 للطعن في نتائج بعض الولايات أمام الكونجرس. سيمنع استخدام الكونجرس في أي شيء آخر غير تسجيل النتيجة، وسيزيل أحد المصادر الرئيسية للتوتر الانتخابي». لم يظهر هذا الإصلاح في مشروعي القانون اللذين قدمهما الديمقراطيون. أعلن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون في مجلس الشيوخ تأييدهم لمراجعة القانون. قال ميتش مكونيل: «من الواضح أنها تعاني من عيوب، وهذا أمر يستحق المناقشة». الديمقراطيون لم يتخذوا أي إجراء حيال ذلك حتى الآن. لوفيجارو
مشاركة :