استثار كتاب «التكامل والتعاون في أفريقيا.. صعوبة اللقاء الممكن بين النظريات والوقائع» لمؤلفه «غي مفيل»، الباحث في العلوم السياسية، والصادر حديثًا في بيروت عن مؤسسة الفكر العربي، مقاربة غير متمحورة حول النظريات العامة المستخلصة من إطار بناء الاتحاد الأوروبي، ونظريات التكامل التي تغذيها الأعمال الفلسفية والأنثروبولوجية المؤسسة علي مبادئ متنوعة. وانطلق «مفيل» من إشكالية أساسية تتمثّل في ما إذا كان هناك من نظريات قائمة فعلًا حول التكامل الأفريقي، وأن ثمة خطابًا تكامليًا أفريقيًا يعود إلى بداية الاستقلالات؛ بل إلى ما قبلها، وصاغه السياسيون والفلاسفة الأفارقة، غير أن هذا الخطاب لم يحل دون استشعار نوع من اللقاء العسير بين نظريات التكامل هذه والوقائع في أفريقيا. وطرح «مفيل» سؤالًا معرفيًا أساسيًا في كتابه، يدور حول ما إذا كان بالإمكان دراسة التكامل الأفريقي انطلاقًا من النظريات العامة للتكامل، أي من الأطر التي جرى استخلاصها وبناؤها تبعًا لمعاينة البناء الأوروبي؛ وهو ما أفضى إلى البحث في محاولات التنظير حول التكامل انطلاقًا من خطاب أفريقي خالص، ومدى تطابق النظرية مع الوقائع أو العكس. وتمحور العمل حول حركتين كبيرتين هما «أفريقيا في مواجهة نظريات التكامل العامة، والمحاولات الأفريقية لبناء نظرية في التكامل». وشمل القسم الأول محتوى الأطروحات الوظائفية، والوظائفية الجديدة، وإمكانية أن ينبت لهما جذور في الواقع الأفريقي، والنظريات ما بين حكومية وتطبيقها في أفريقيا أيضًا، وأفريقيا في مواجهة نظريات التحويلات السياسية والمؤسسية الجديدة، ونتائج التحويلات والانتقالات المؤسسية على المجموعات الاقتصادية الإقليمية «CER» وعلى الدول الأفريقية، وتناول القسم الثاني مقاربة التكامل الفوري المباشر، ومقاربة التكامل بالمراحل المتتالية. وعاين «مفيل» التكامل الأفريقي بالاستناد إلى البريطاني دافيد ميتراني ومنهجه الوظائفي في التكامل، وقد شكّلت منظمة «الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا» «نيباد» عام 2001، مسيرة وظائفية في سعيها إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية، هي النهوض بعملية النمو والتنمية المستدامة، واجتثاث الفقر العام والحاد، ووضع حد نهائي لتهميش أفريقيا في السيرة الجارية للعولمة. واعتقد «ميتراني» أن منطلق العمل ينبغي أن يكون «حاجات» الشعوب، مما يتطلب منظمات ومؤسسات متخصصة مرتبطة بعضها ببعض، وعابرة للأوطان والقوميات، والمقصود هنا هو إحاطة الانقسامات السياسية بنسيج من الأنشطة والوكالات الدولية التي يتم فيها وبفضلها التكامل التدريجي لمصالح الأمم كافة ومتطلباتها. وظلت في أفريقيا مسألة إنشاء مؤسسات ذات طابع متخصص من دون نفوذ سياسي موضع سجال ونقاش مفتوحين، وأرادت «نيباد» أن تكون وكالة متخصصة في تحقيق مشروعات التنمية في أفريقيا وإنجازها، مما يجعل منها جسمًا تقنيًا أو هيئةً تقنية، إلا أنها ظلت تحت سقف سلطة الاتحاد الأفريقي السياسية والإدارية. وقال «مفيل»: إن برامج «الآلية الأفريقية للتقييم بالنظراء» «MAEP»، وبرنامج الحد الأدنى للتكامل «PMI» تطمح إلى تحويل القواعد والمعايير والقيم المشتركة ونقلها داخل الدول الأعضاء لبناء مجتمعات نامية وديموقراطية، وهذا هو حال التحول الذي تمثّله لجنة الاتحاد الأفريقي من أجل تكوين سلطة اتحاد أفريقي. وأبدى «مفيل» ملاحظتين هما «أن الأفارقة كافة متفقون على «توحيد القارة» لإخراج شعوبها من البؤس والانغلاق والعزلة السياسية، وانصرف الجانب الأساسي من الفكر منذ نهاية القرن الـ19 حتى الآن إلى مسألة «وحدة أفريقيا»، وتعود فكرة التكامل الفوري إلى غداة الاستقلالات الأفريقية، وبالتحديد إلى «منظمة الوحدة الأفريقية». وسمي «مفيل» هذا النمط من التكامل «التكامل الفوري»، بسبب محتوى خطاب القادة والزعماء الذين كانوا يبشرون به، ويدعون إليه، والمهل التي فرضوها على أنفسهم لتحقيقه. وبعد التعارضات التي ظهرت غداة الاستقلالات، قصرت أفريقيا مشروعاتها على إنشاء منظمة تعاون ما بين حكومية وأهلية حملت اسم «منظمة الوحدة الأفريقية» «OUA» استمرت من عام 1963 إلي عام 2000، عندما جرى تبني العقد المنشئ للاتحاد الأفريقي في «لومي» في التوغو. واستخلص «ميفل» أن النهضة الأفريقية في نسخة التسعينيات، لا تزال إلى اليوم أكثر تجديدًا وابتكارًا، حيث تحاول أن ترسو على القيم التي تبشر بها المجموعة الدولية «تنمية مستدامة، وديمقراطية..إلخ» بدلًا من أن تحبس نفسها في أفريقية مغلقة.
مشاركة :