يعد الطين من أقدم مواد البناء التي عرفها الإنسان في شبه الجزيرة العربية، منذ آلاف السنين، والبناء بالطين يظهر قدرة الإنسان على التكيّف مع محيطه الذي يعيش فيه، واستخدام مواهبه في إيجاد تقنيات بسيطة ومتنوعة تستوفي احتياجاته في المسكن. وزاد تطور استخدام الإنسان لهذه التقنيات في تشييد نماذج الأبنية على مر العصور، من خلال الخبرات والمهارات المتوارثة عبر الأجيال، وهي مرتبطة بالذوق، والانسجام الجمالي، ومقرونة بعلم واسع بالفطرة والتجربة بهندسة البناء ومعرفة الفوائد الفيزيائية للطين، وكيفية التعامل معها وتوظيفها بحسب المتطلبات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، ومراعاة المحددات البيئية كالمناخ ونوعية التربة والمواد المتوفرة، حيث يعتمد البناء بالطين على اختيار التربة المناسبة مع طبيعة المنطقة ومناخها. وتحتفظ شبه الجزيرة العربية بشواهد رائعة لمدن وبلدات بنيت من الطين، مثل الدرعية وسدوس في منطقة الرياض، ومدينة الهفوف في الأحساء، ومدينة العلا في الحجاز، وبلدة الخبراء في القصيم، وأيضًا في نجران وحائل وتيماء وغيرها من القرى والبلدات في المملكة العربية السعودية. ويعد الطين مادة طبيعية صديقة للبيئة، والبناء به يساعد على الحد من استنزاف الموارد الطبيعية، ويساعد في توفير الطاقة المستهلكة في التبريد والتدفئة، وذلك لتميزه في القدرة على تخزين الحرارة والبرودة، وضعف توصيله للحرارة الخارجية ومن المعروف برودة المباني الطينية صيفًا ودفؤها شتاءً، فمادة الطين مادة طبيعية متوازنة بيئيًا وتوفر مناخًا داخليًا صحيًا لان استخدامها يحد من التلوث وإنتاج النفايات واستنزاف البيئة في جميع مراحل التصنيع وحتى في حال الهدم لتميزها بسهولة التدوير بشكل طبيعي. وستؤدي العودة للبناء بالطين إلى خلق اقتصادات محلية، وتوفير فرص عمل في مجتمعات المدن والبلدات التراثية وغيرها. ويقوم مركز التراث العمراني الوطني بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بجهود كبيرة لإحياء البناء بالطين، وإعادة الاعتبار لتقنية البناء بالطين من خلال أعمال بحثية وإدارية وأعمال فنية ميدانية.
مشاركة :