سلَّط موقع «أتلانتك كاونسل» الضوء على دلالات نتائج الانتخابات الفرنسية، موضحا أن فوز الرئيس إيمانويل ماكرون ومرشحة التجمع الوطني مارين لوبان، في خوض الجولة الثانية من الانتخابات، يضع مستقبل أوروبا على المحك.واستعرض الموقع آراء عدد من الخبراء في نتائج الانتخابات التي جرت في خضم الحرب على أوكرانيا والاضطراب الاقتصادي العالمي.قال جيرارد أرود، سفير فرنسا السابق لدى الولايات المتحدة، إن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية تؤكد أن ماكرون لم ينجح خلال فترة ولايته في الاستجابة للأزمة السياسية التي استغلها في 2017 لينتخب بشكل غير متوقع.وأضاف: حصل ماكرون على 27 % من الأصوات، بينما حصل المرشحون من اليمين المتطرف واليسار المتطرف على 53 % من الأصوات مجتمعة، بينما هبطت الأحزاب السياسية التقليدية، مثل حزب (الجمهوريون) المحافظ، والحزب الاشتراكي، اللذين سيطرا على الحياة السياسية الفرنسية لعقود، إلى أقل من 5 % وأقل من 2 % على التوالي. أما بالنسبة لحزب الخضر، فلم يتغلب على مشكلة مصداقيته ليصبح حزبا رئيسيا وهو في حالة ركود عند نسبة متواضعة تبلغ 4.5 %.ساحة خرابوتابع السفير السابق: لقد أصبحت الحياة السياسية الفرنسية أكثر من أي وقت مضى ساحة خراب، حيث يقود ماكرون كتلة وسطية تقارب 30 %، لكن خصومه الموثوقين الوحيدين هم المتطرفون.وأردف: في الجولة الثانية، سيواجه ماكرون مرة أخرى لوبان التي هزمها بشكل حاسم في عام 2017، لكن الظروف هذا العام مختلفة تماما. في عام 2017، كان ماكرون وجها جديدا ولم يكن لديه سجل يدافع عنه، وهو الآن يغذي العداء القوي لدى جزء كبير من الجمهور، خاصة بين الناخبين اليساريين الذين يحتاجهم للفوز.وأضاف: قادت لوبان حملة منخفضة المستوى تركز على القوة الشرائية للأسر في وقت أصبح فيه التضخم مصدر قلق عام في البلاد. لقد تجنبت أكثر الجوانب إثارة للجدل في برنامجها اليميني المتطرف واستفادت من وجود منافس آخر على يمينها جعلها تبدو معتدلة تقريبا.وأوضح أن جميع استطلاعات الرأي تقول إن ماكرون سيفوز بهامش ضئيل، لكن هذه النتيجة قد تنقلب يوم الانتخابات في 24 أبريل، وبالتالي فإن فوزه ليس مضمونا على الإطلاق.أزمة وجوديةمن جهته، قال ديف كيتنغ، وهو زميل بارز غير مقيم في مركز أوروبا، إن فوز لوبان يمثل أزمة وجودية للاتحاد الأوروبي.وتابع: كما هو متوقع، ستكون الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية تكرارًا لعام 2017. ولكن هنا في بروكسل، هناك جو مختلف تماما، حيث يشاهد الناس الانتخابات، عما كان عليه قبل 5 سنوات.وأضاف: في عام 2017، بعد التصويت المفاجئ لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض، كان لدى الناس مخاوف شديدة بشأن احتمالية فوز لوبان. لكن لم تتم مناقشة الانتخابات الفرنسية هذا العام كثيرا في بروكسل.وأردف: من الواضح أن الحرب في أوكرانيا تستحوذ على اهتمام معظم الناس. ولكن يبدو أيضًا أن هناك شعورا بالحتمية لإعادة انتخاب ماكرون، وهو شعور يعززه إلى حد ما تقدم ماكرون المريح إلى حد ما بأكثر من 4 نقاط مئوية على لوبان في الجولة الأولى، رغم استطلاعات الرأي الأخيرة التي تشير إلى احتمال التعادل، كان هناك 2.7 نقطة مئوية بينهما في الجولة الأولى من انتخابات 2017.ومضى يقول: مع ذلك، فإن فوز لوبان لن يكون أقل من أزمة وجودية بالنسبة للاتحاد الأوروبي الآن مما كان عليه في عام 2017.وتابع: ربما يكون التوقيت أكثر خطورة نظرًا للحرب في أوكرانيا وعلاقات لوبان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.مستقبل الاتحادوأكد أن مستقبل الاتحاد الأوروبي سيكون موضع شك، حيث لم تعُد لوبان تدعو إلى مغادرة فرنسا الاتحاد الأوروبي.وأضاف: توقف معظم اليمين المتطرف في أوروبا عن فعل ذلك بعد أن لاحظوا آثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنها قالت إنها تريد تفكيك الاتحاد الأوروبي من الداخل، وإن أول زيارة خارجية لها كرئيسة ستكون إلى بروكسل للمطالبة بالعمل الفوري على مراجعة معاهدات الاتحاد الأوروبي.ولفت إلى أنها ستنضم إلى حلفائها في الحكومتين البولندية والمجرية للقيام بذلك.وتابع: آفاق الناتو ليست أقل كآبة. دعت لوبان فرنسا إلى الانسحاب من هيكل القيادة المتكامل لحلف الناتو، حتى لا تنشغل بعد الآن في صراعات ليست لها صلة بها.ومضى يقول: رغم احتمالية أن تكون هذه الانتخابات أقرب إلى السباق الذي تم إجراؤه في عام 2017، فإن هناك قلقا واهتماما أقل مما كان يُولى منذ 5 سنوات.وأضاف: قد يكون السبب هو أن الناس في بروكسل ليست لديهم رفاهية في الوقت الحالي للتفكير في احتمالية رئاسة لوبان، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار الاتحاد الأوروبي. الموقف الآن «دعونا نعبر هذا الجسر عندما نصل إليه».فوضى حقيقيةمن ناحيتها، وصفت ماري جوردان، وهي زميلة زائرة في مركز أوروبا وعملت سابقا في المديرية العامة للعلاقات الدولية والإستراتيجية بوزارة الدفاع الفرنسية، المشهد السياسي الفرنسي بالفوضى الحقيقية.وتابعت: أقام الفرنسيون السباق نفسه الذي أقيم قبل 5 سنوات، حيث خاض ماكرون ولاية ثانية ضد لوبان اليمينية المتطرفة. الفائز بالمركز الثالث هو نفسه جان لوك ميلينشون الذي ينتمي إلى أقصى اليسار.ولفتت إلى أن تركيبة القوى السياسية في البلاد اهتزت بشكل حقيقي.وأضافت: أولا، لم يوجد الحزبان التاريخيان للجمهورية الفرنسية الخامسة، اللذان أنتجا 7 من أصل 8 رؤساء منذ عام 1958، باستثناء ماكرون.وأوضحت أن هذا سيؤدي إلى عواقب اقتصادية خطيرة لهذه الأحزاب، حيث يذهب التعويض العام للحملة فقط إلى تلك الأحزاب التي تحصل على 5 % من الأصوات.وتابعت: ثانيا، اليمين المتطرف هو القوة السياسية الرائدة في البلاد بحصوله على حوالي 30 % من الأصوات، متقدمًا على الوسط الذي يمثله حزب ماكرون الذي حصل على نسبة 27 %، أما اليسار المنقسم فقد حصل على أقل من 30 %.ونبَّهت إلى أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات تقدم درسين رئيسين، أولهما: إن افتقار الحملة الانتخابية إلى الحماس ترجم إلى نقص في التعبئة، حيث قرر 25 % من المواطنين المؤهلين عدم التصويت.وأشارت إلى أن هذا هو ثاني أعلى عدد ممتنع عن التصويت منذ أن بدأ المواطنون الفرنسيون في انتخاب رؤسائهم.
مشاركة :