البنوك المركزية العالمية حائرة بين مواجهة ضغوط التضخم وتحفيز الأسواق

  • 4/14/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تقف البنوك المركزية العالمية أمام مفترق طرق بين الانتصار للمستهلكين بتقليص الأسعار وتحفيز الأسواق والاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة عبر الإبقاء على نسب تضخم منخفضة. وقبل عامين فقط كان القائمون على السياسة النقدية يجتهدون لتحفيز أسواق بلدانهم عبر حزم دعم وأسعار فائدة اقتربت من الصفر لمواجهة التبعات الاقتصادية لتفشي الوباء. واليوم تدفع البنوك المركزية خاصة في الولايات المتحدة ودول منطقة اليورو والاقتصادات المتقدمة، ثمنا باهظا لسياسة ضخ السيولة في الأسواق، فضلا عن عوامل جيوسياسية تسببت في زيادة التضخم مع اضطرابات سلسلة الإمدادات وتقلص نشاط المصانع والجفاف. صندوق النقد الدولي: الأسعار المرتفعة اختبار حقيقي لصانعي السياسة النقدية وتبدو الانعكاسات أكثر وضوحا في الاقتصادات العربية الضعيفة أكثر من مثيلاتها المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجة عوامل الإغلاق وبطء الإصلاحات وتكاليف الاستيراد. وتؤكد ترجيحات كبار الفاعلين في المجال المالي والاقتصادي أن الأسواق العالمية مقبلة على صدمة كبيرة تنذر باحتمال انفلات التضخم حتى مع استعداد أبرز البنوك المركزية لوضع جدار صد خلال هذا الأسبوع للحد من جنون الأسعار. واعتبر صندوق النقد الدولي أن الأسعار المرتفعة في معظم أنحاء العالم باتت تشكل الآن اختبارا حقيقيا لقدرة صانعي السياسة النقدية في البنوك المركزية للسيطرة على انفلات مؤشر أسعار الاستهلاك. وعند أعلى مستوى منذ ديسمبر 1981، سجلت الولايات المتحدة نسب نمو في التضخم بلغت 8.5 في المئة خلال مارس الماضي، وسط جهود يتبعها الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) لكبح جماح التضخم. وتتمثل إحدى أبرز أدوات السيطرة على التضخم في رفع أسعار الفائدة، وهو ما قام به المركزي الأميركي الشهر الماضي، ويتجه لتكراره أكثر من مرة في 2022. ويأتي التضخم المرتفع على مستوى العالم، خاصة أسعار السلع الأساسية كالغذاء الذي سجل مستويات تاريخية غير مسبوقة، بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، في وقت لم تتعاف الأسواق بعد من تبعات كورونا. وتكافح البنوك المركزية على جبهتين من خلال نفس الأداة وهي أسعار الفائدة التي تؤدي إلى تقليص المعروض النقدي داخل الأسواق، وانتقاله إلى البنوك على شكل ودائع، ليستفيد أصحابها من نسب الفائدة عليها. في المقابل تعمل هذه البنوك على معالجة الاختلالات الاقتصادية والنقدية الناجمة عن الأزمة الصحية، وإحدى أبرز أدوات تحفيز الأسواق هي خفض أسعار الفائدة، وهو ما يتناقض مع حل أزمة التضخم المرتفع. وتظهر المؤشرات أن البنوك المركزية ستحل أزمة التضخم كأولوية لأن أسعار المستهلك عامل ضغط مرهق للاقتصادات والقوة الشرائية وللمستهلكين، خاصة في الاقتصادات النامية والناشئة. ورفعت غالبية البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة الشهر الماضي بعد قرار المركزي الأميركي الذي يتجه لزيادتها أربع مرات هذا العام على الأقل ما يشكل خطرا على بقية الأسواق العالمية. ومع أن رفع أسعار الفائدة قد يكبح التضخم، لكنه في المقابل سيكون عاملا مثبطا لتحفيز الأسواق لأن السيولة النقدية اللازمة لاستثمارها في الأسواق وتوفير وظائف ورواتب جديدة ستتحول إلى البنوك على شكل ودائع. Thumbnail ومؤخرا ارتفعت حدة التخوفات العالمية من أن يؤدي رفع أسعار الفائدة وعدم نجاح جهود البنوك المركزية في مواجهة التضخم إلى ظهور ما يطلق عليه “الركود التضخمي”. والركود التضخمي هو ارتفاع متسارع في أسعار السلع الأساسية على وجه الخصوص، وهو ما يحصل اليوم، يرافقه تراجع حاد في الطلب، أي أسعار مرتفعة وطلب منخفض. ومن المرجح أن يحدث هذا الوضع حالة من ضعف الطلب على الاستهلاك، بينما لا يقود هذا الضعف إلى خفض أسعار السلع، بسبب زيادة كلفة إنتاجها، والنتيجة توقف لعجلة الإنتاج والاستهلاك معا. وفي المملكة المتحدة على سبيل المثال، تراجعت ثقة المستهلكين والشركات البريطانية في مارس الماضي، وسط ارتفاع التضخم، ما يشير إلى احتمالية “الركود التضخمي” في الأشهر المقبلة. وانخفض مؤشر ثقة المستهلك في المملكة المتحدة، وهو مقياس لكيفية رؤية الناس لحالة مواردهم المالية الشخصية والآفاق الاقتصادية الأوسع، بمقدار 5 نقاط إلى سالب، وهو الانخفاض الرابع على التوالي والأدنى قراءة في 17 شهرا. ويرسم الركود التضخمي صورة غير مرحب بها للاقتصاد في الأشهر المقبلة، حيث يشير التضخم المصحوب بالركود إلى فترات غير شائعة من النمو البطيء. وتسببت الحرب في أوكرانيا في حدوث صدمة تضخمية شديدة حيث أدت إلى ارتفاع الأسعار مع تعرض إمدادات الطاقة للتهديد وتقلص دخول الأسر والشركات حيث أصبحت السلع الأساسية أكثر تكلفة. وبالأرقام، ارتفع سعر النفط بنسبة 60 في المئة هذا العام إلى متوسط 107 دولارات للبرميل من حوالي 66 دولارا في أبريل من العام الماضي. أما أسعار الأغذية الرئيسية، فقد ارتفع مؤشر فاو للأغذية 33.6 في المئة خلال مارس الماضي على أساس سنوي مسجلا 159.3 نقطة، وهو أعلى مستوى تاريخي للمؤشر منذ تدشينه عام 1990.

مشاركة :