'حكاية إيسيه' تقدم للعالم أول مخطوط ياباني للرواية الشعرية

  • 4/14/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تعد "حكاية إيسيه" ھي أول مخطوط ياباني للرواية الشعرية، فھذا المخطوط مكون من 125 قطعة من الشعر القصير "تانكا"، مع كل قطعة شعر حكاية نثرية قصيرة. ھذا المخطوط الصادر باللغة العربية لأول مرة عن منشورات سنابل الكتاب بترجمة د.أحمد فتحي أستاذ اللغة اليابانية وآدابها بجامعة القاهرة، تم تجميعه في القرن العاشرالميلادي، وھو مكتوب باللغة الكلاسيكية اليابانية التي تختلف في قواعدھا وجزء كبير من مفرداتھا عن اللغة اليابانية المعاصرة. ويلعب الدور الرئيسي في ھذه الحكايات الأمير أريوارا نو ناريھيرا الذي ولد عام 835 وھو شخصية تاريخية حقيقية وكان حفيدا للأمبراطور كانمو الذي اشتھر بقيامه بنقل العاصمة من مدينة نارا الى مدينة كيووطو، ومؤلف ھذه الحكاية مجھول الھوية. بالنسبة لأسلوب ھذه الحكاية فكل فصل من فصولھا يبدأ بتعبير: "زمان.. كان ياما كان.. كان يوجد رجل ما"، وبھذا فإن كل فصل من الفصول الـ 125 يظھر منفصلا، بحد ذاته عن الفصول الأخرى، ووفقا للمترجم فإنه بالنسبة للمخطوطات الأصلية التي نقلت ھذه الحكاية فھي متعددة، وليست كلھا تحتوي على نفس عدد ھذه الفصول، فمنھا ما يحتوي على 115 فصلا وھو أقلھا على الإطلاق، ومنھا ما يحتوي على 136 فصلا وهو أطولها، أما مجموع الفصول المنقولة من خلال جميع المخطوطات فھو 145 فصلا، وإن اختلف نص المقدمة بين كل مخطوط وآخر فكل المخطوطات تتفق تقريبا في ترتيب تلك الفصول، كما أننا نجد كل فصل من تلك الفصول يدور أساسا على قطعة من الشعر الياباني القصير. ومن ضمن تلك الأشعار ما ھو قديم وورد ذكرة في مخطوطات شعرية سابقة ومنھا أيضا ما ھو مجھول المؤلف، وبين ھذا وذاك فالواضح بينھا عدد من الأشعار القصيرة محددة ھوية المؤلف وھو أري وارا نوناري ھيرا والذي كان يطلق عليفي ذلك العصر" واحد من قديسي الشعر الستة حيث كان معروفا بفحولته في الشعر وقتها. ويشير المترجم إلى أن بطل حكاية إيسيه أري وارا نو ناري ھيرا الذي يلعب الدور الرئيسي في هذه السيرة الكلاسيكية اليابانية حكاية إيسيه ھو شخصية تاريخية حقيقية ولد عام 825م، وكان حفيدا للإمبراطور كانمو الذي ذاعت شھرته إثر قيامه بنقل العاصمة إلى كيووطو. ووالد أري وارا ھو الأمير أبو شين نوو. لقد كان الإمبراطور ھي زي ھو والد أم أري وارا، أما والد الأمير أبوشين نوو فقد كان الإمبراطور ھيجوو الذي قام بعد تنازله عن العرش لأخيه الأصغر الأمير ساغا ببناء قصر له في العاصمة السابقة ھيوجوو وصار يناطح الإمبراطور الموجود في العاصمة الجديده  كيووطو حتى حدثت فتنة كبيرة ومناوشات بين الجانبين إنتھت بانتحار الأمير كوسوقو الذي تدخل في السياسة بعد أن كان يحظى بتدليل الإمبراطور المعتزل ھيجوو، أما الأخ الأكبر للأمير كوسوقو وھو فوجيوارا نونا كاناري فقد تم إعدامه وآل مصير الإمبراطور المعتزل المنھزم ھيجوو إلى اعتزال الناس والزھد والدخول في طريق البوذية، وبھذا انتھت تلك الفتنة التي أطلق عليھا تسمية فتنة كوسوقو عام 810م. وبسبب ھذه الفتنة فقد تم نفي الأمير أبوشين نوو- والد أري وارا إلى منطقة دازاي فو في جزيرة كيووشوو لعدة سنوات، وبعد ذلك صدر العفو عنه فعاد إلى العاصمة. أما الابن أري وارا ھو وأخوه الأكبر يوكي ھيرا فقد حصلا في العام التالي 811 على لقب أري وارا". ويتابع "في فترة با وشباب أري وارا ناري ھيرا حصل على مركز مرموق في الديوان لعلاقته القوية بالأمير فوجيوارا نو يوشي فوسيه. أما عمه "تاكا أوكا شين نوو" فكان وليا للعھد للأمبراطور "ساغا"، ولكن بسبب تورطه في الفتنة ضد الإمبراطور "ساغا" فقد تم عزله من ذلك المنصب واضطر إلى التنسك واعتزال الدنيا وأطلق على نفسه لقب "شين نيو"، ثم قرر الرحيل إلى الھند بعد أن تجاوز سن الستين من عمره ومات في جزيرة تقع جنوب أرخبيل ماليزيا. واضطر إلى التنسك واعتزال الدنيا وأطلق على نفسه لقب "شين نيو". أما أخوه الأكبر "أري وارا نويوكي ھيرا" فكان شاعرا واشتھر صيته من خلال حكايتي "ماتسوكازيه" و"مورا ساميه" اللتان وردتا في "سيرة الأميرغينجي"، عندما كان يصاحب الأمير "غينجي" في منفاه عند ساحل "سوما". ويرى المترجم أن اسم أري وارا نوناري ھيرا ارتبط بحكايات كثيرة مثيرة تناقلتھا الأجيال اللاحقة له. وھذه الحكايات والسير الحقيقية لا يمكننا فصلھا عن الحكاية الشعرية التي نحن بصدد ترجمتھا ھنا. ومن أول الحكايات التي أوردت اسم أري وارا نوناري ھيرا ومدحت وسامته ومغامراته النسائية ھي سانداي جيتسوروكو التسجيلات الحقيقية لثلاثة أجيال، (وشاع عنه كذلك خلال تلك الحكاية أنه كان شاعرا فعلا). وبتجميع تلك العناصر التي تميز بھا لم يكن من المستغرب أن تصير "حكاية إيسيه" حكاية ممتعة شيقة تأخذ بألباب السامعين خصوصا بسبب مجموعة الأشعار الجميلة تلك التي وردت خلالها. يقال إن أري وارا نوناري ھيرا توفى عن عمر يناھز 65 عاما وذلك عام 880م.وبعد وفاته بحوالي 25 عاما تم تجميع ذلك المخطوط الشعري الضخم الشھير "قوكين واكا شوو". لقد كانت أشعار أري وارا مفعمة بالمشاعر الفياضة المتأججة وامتازت بجمال الألفاظ والمجاز وانتشرت إنتشارا واسعا بين طبقة النبلاء، وما ساعد على انتشار ھذه الأشعارھو علاقة الدم التي كان يرتبط بھا ھذا الأمير بالبيت الأمبراطوري الياباني. وقد قام الشاعر المشھور "كينو تسورايوكي" بتجميع الأشعار الثلاثين المنسوبة إلى الأمير "أري وارا نوناري ھيرا" وضمھا في مخطوط واحد منفصل عن مخطوط "قوكين واكاشوو"، وكانت تلك الأشعار الثلاثين ھي اللبنات الأساسية في تكوين "حكاية إيسيه" التي نحن بصددھا الآن. ويعتقد أن "حكاية إيسيه" ھذه بفصولھا وأشعارھا ال 125 كانت قد بدأت نشأتھا الأولى مع بدايات القرن العاشر الميلادي. وقد مرت ھذه الحكاية بعدة مراحل من التجميع. والتغير في العصور التالية حتى وصلت إلى شكلھا المعروف حاليا، وقد عرفت " حكاية إيسيه" ھذه بوضوح بعد أن ورد ذكرھا في "سيرة الأميرغينجي" وذلك في بدايات القرن الحادي عشر. وحول تسمية "حكاية إيسيه" على ھذه السيرة، يضيف "لقد كان شائعا خلال عصر "ھيبان" (من القرن التاسع حتى نھاية القرن الثاني عشر) أن "أري وارا نوناري ھيرا" ھو الذي كتب ھذه الحكاية وأن الشاعر "إيسيه" وھو الذي قام بتجمعھا، ومن ھنا نشأت تسمية " حكاية إيسيه". ھذه ھي واحدة من النظريات التي تحقق في سبب ھذه التسمية.. ولكنھا نظرية تفتقر إلى الوضوح والصدق. فھناك نظرية أخرى صاحبھا ھو الناقد الأدبي "نوري غوشي نوبوأو" الذي يرجع تسمية ھذه الحكاية إلى ارتباطھا بالوصيفة "إيسيه" والتي يرجح أنھا ھي التي قامت بتجميع فصولھا. كما أن ھناك نظرية أخرى تميل إلى ترجيح تسمية ھذه الحكاية بھذا الشكل على أساس تغير وتطور من النطق الأصلي وھو "يوسيه مونوغا تاري" أي "حكاية مجمعة"، ولكن ھذه النظرية أيضا غير مؤكدة. ووسط ھذا وذاك فإن أكثر النظريات تصديقا وقربا إلى المنطق ھي النظرية التي ترجع سبب ھذه التسمية إلى ورود اسم معبد "إيسيه" الأكبر في الفصل 69 من نفس الحكاية، أي أن الحكاية كلھا نشأت تسميتھا على أساس كلمة وردت داخل نفس الحكاية. بالطبع ھناك الكثيرون من النقاد الأدبيين الذين يعارضون ھذه الفكرة من منطلق ورود أسماء أماكن ومعابد أخرى في فصول أكثر ثقلا داخل نفس الحكاية. غير أن من يؤيدون نظرية ارتباط اسم الحكاية بالفصل الذي ورد فيه ذكر اسم معبد "إيسيه" الأكبر يميلون إلى الإشارة الى أنه ربما كان ھذا الفصل في البدايات الأولى لتجميع فصول الحكاية كان ھو الفصل الأول وليس رقم 69، ومن ھنا وردت التسمية إرتباطا بالفصل الأول بالرجوع إلى العرف الذي كان سائدا في ذلك العصر من تسمية الحكايات والسير على أساس اسم المكان الذي يرد في أول فصل من فصولھا. أي أن ھؤلاء يرجحون أن ذلك الفصل رقم 69 الذي وردت فيه حكاية الخروج للصيد في مقاطعة "إيسيه" كان في بداية الأمر ھو فصل المقدمة. وقد ورد في ھذا الفصل أن من خرجوا للصيد في بلاد "إيسيه" وجدوا في طريقھم معبد "إيسيه" وانبھروا بجماله وقدسيته. ويلفت إلى أن الناقد الأدبي "ماتسوأ وأكيرا" يرجح أن يكون لقاء بطل الحكاية بالأميرة المقدسة خادمة معبد " إيسيه" ووقوعه في غرامھا ھو الباعث عل تسمية الحكاية كلھا بھذه الطريقة حيث يعتبر أن قصة الحكاية ھذه ھي العنصر الدراماتيكي داخل الحكاية كلھا بكل فصولھا لصعوبتھا وتعقيدھا.وارتباطا بحكاية العشق ھذه فقد انتشر بين الناس في العاصمة وقتھا أن" أري وارا" قد ارتبط بعلاقة عاطفية بالأميرة المقدسة للمعبد وھي الأميرة "سايغو ياسوقو" ورزق منھا بطفل اسمه "موروھيسا" وھو الذي قامت بتربيته فيما بعد الأميرة والدة "تيشي" زوجة الإمبراطور حسبما نقلت الوصيفة والكاتبة الشھيرة "سيشووناغون ". مقتطفات 1 عشق الشقيقتين زمان زمان.. كان ياما كان.. كان يوجد شاب خرج في رحلة للصيد في ضيعة كان يملكھا في ريف منطقة "أسوكا" في العاصمة "نارا"، وذلك بعد أن انتھى من تلقي طقوس البلوغ الخاصة به. وفي تلك المنطقة الريفية كانت تعيش أختان جميلتان رقيقتان. وقد حدث أن تلصص ھذا الشاب باختلاس النظر إليھما من خلال الشجيرات المتكاثفة لسور حديقة بيتھما. ولما أدرك الشاب من النظرة الأولى وجود مثل ھاتين الأختين الراقيتين الجميلتين في مكان لا يليق بھما في مثل ھذه العاصمة القديمة العتيقة فقد بدأ قلبه يتحرك نحوھما، وبدأت مشاعره تتأجج بالحب والھيام. وھنا أقدم الشاب على تنفيذ فكرة طرأت له على حين فجأة، فقد رفع طرف ثوب الصيد الذي يرتديه وقطع جزءا، منه ثم كتب على تلك القطعة القماشية الممزوقة بيتين من الشعر إرتجلھما في ذات اللحظة حيث قال فيھما: وھا أنا ألتقي بكما على غير موعد لأجدكما. في جمال ھاذي البراعم. الجميلة والتي تفترش سھول "أسوكا" فيضطرب قلبي ويتناثر فتاتا مثل ھاذي النقوش. على ثوبي! نعم.. ھكذا كان الناس في الزمن القديم تغلب عليھم الحمية واشتعال الوجدان، كما أنھم كانوا مرھفي الحس ويعبرون عن مشاعرھم من خلال ھذا السلوك الراقي!. 2 امرأة غرب كيوتو زمان زمان.. كان ياما كان، كان ھناك رجل ما ترك العاصمة القديمة "نارا" وابتعد عنھا وانتقل ليسكن بالعاصمة الجديدة "كيووطو" حيث كانت لا تزال المنازل قليلة ومبعثرة ھنا وھناك. وكانت ھناك امرأة ما تسكن في المنطقة الغربية لتلك العاصمة الجديدة. وكانت تلك المرأة متميزة تتفوق عن غيرھا من عامة النساء في العاصمة، فناھيك عن جمالھا وحسن طلعتھا فقد كانت حانية طيبة دمثة الخلق، ولكن يبدو أنھا لم تكن وحيدة "خالية" دون رجل. نعم.. فقد كان خليلھا ھو ذلك الرجل المعروف بولائھ لھا، وكان يتردد على منزلھا ويخطب ودھا ٍ ويطارحھا العشق والغرام، وكان قد غاب عنھا لفترة ما لكنه عاد إليھا يتحرق قلبھ بنار الشوق إليھا، وكانت عودته إليھا في اليوم الأول من الشھر الثالث من تلك السنة حيث كان المطر يھطل بغزارة ودون توقف، فارتجل بيتين من الشعر يعبر فيھما عن شوقه إليھا حيث قال: وھا أنا أعود إليك بعد أن أضناني السھاد ولم أذق طعم النوم فأقضي الليل حتى حلول الفجر يشغلني أمرك وھا أنا مع الصباح أجد أمطار الربيع. تھطل.. دون ھوادة فأحدق فيھا.. شاردا وأقضي طيلة اليوم.. على ھذا الحال !

مشاركة :