ضاعف السودان ومصر جهودهما لإيجاد بدائل مناسبة تضمن انتظام حركة التجارة بينهما في ظل الارتفاع الملحوظ في ميزان التبادل التجاري بينهما في وقت تعرضت فيه حركة نقل البضائع البرية لجملة من المشكلات. واستعرض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأربعاء، خطط تطوير النقل النهري مع السودان وكيفية تحقيق الربط الأمثل للخط الملاحي بين مينائي السد العالي في جنوب مصر ووادي حلفا في شمال السودان، ويبلغ طوله 500 كلم ويصلح للملاحة النهرية على مدار العام. وأصبحت الحكومة المصرية مطالبة بالتنسيق مع الجانب السوداني لتعزيز التقارب والترابط البشري وتعظيم التبادل التجاري من خلال تطوير هيئة وادي النيل للملاحة النهرية، ورفع الحالة الفنية لأرصفة الشحن والتفريغ على امتداد الخط الملاحي. وما زالت هواجس إغلاق طريق شريان الشمال، وهو أهم المعابر التجارية بين البلدين، من قبل مزارعين سودانيين منذ حوالي شهرين للضغط على الخرطوم لتخفيض أسعار الكهرباء تؤرق الحكومة القاهرة التي تلقت رسائل سياسية غامضة من لجان المقاومة السودانية التي دخلت على خط ما يسمى بـ”تتريس الطريق”. وطالبت اللجان بمنع تصدير الخامات السودانية إلا بعد إدخالها في صناعات تحويلية، ووضع تعامل واحد متفق عليه ملزم لدخول الشاحنات السودانية الحدود المصرية. ولدى بعض القوى المدنية في السودان هواجس بعدم التوازن التجاري بين البلدين، وأن هناك استغلالا اقتصاديا من الجانب المصري لظروف البلاد السياسية يحتاج إلى ضبطه قبل الشروع في المزيد من الانفتاح في مجالات مختلفة. وتشكل تعقيدات الأزمة الداخلية في السودان والعراقيل التي تواجهها المرحلة الانتقالية وعدم قدرة مجلس السيادة على تهدئة الشارع أحد الدوافع المصرية التي تقود نحو تحسين جودة الطريق النهري، مع إمكانية تكرار عمليات “تتريس الطرق” التي تعد وسيلة فعالة للضغط على السلطة الحاكمة، خاصة إذا ارتبط الأمر بالتجارة التي تأخذ أهمية كبيرة في ظل الركود الاقتصادي وأزمات المواد الغذائية في البلدين. وتواجه القاهرة منغصات متعددة على الجانب الآخر تهدد انتظام التجارة البرية، فأزمة إقليم شرق السودان لم تجد طريقها للحل بعد، ولا تزال الأزمات المتراكمة بين المكونات القبلية والمحلية في تلك المنطقة تسيطر على المشهد فيها. وتجلت معالم ذلك في حالات العنف المتكررة التي تظهر بين الحين والآخر، وبدت خلالها السلطة الحاكمة غير قادرة على وضع حلول جذرية للأسباب التي قادت للتصعيد وتسببت في فصل الطريق الدولي الواصل بين شرق السودان والخرطوم وجرى تعطيل ميناء بورتسودان الرئيسي في الإقليم. صلاح حليمة: الاهتمام بالنقل النهري يرتبط بأزمة الطاقة في العالم وهدد المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في شرق السودان مؤخرا بإغلاق الإقليم مجددا في حال استمرار الحكومة في تجاهل مطالبهم، وعلى رأسها إلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام. وثمة عنصر آخر يمثل إزعاجا لكل من القاهرة والخرطوم، ويتعلق بعدم اتفاق حكومتي البلدين على فتح طريق بري للتجارة وحركة التنقل البشري بسبب تجميد أزمة حلايب وشلاتين التي تتم إثارتها من وقت إلى آخر. ولذلك يجد الطرفان في اللجوء إلى تطوير النقل النهري سبيلا مناسبا لتجاوز أشواك الملفات الملغومة في علاقتهما، لاسيما أن خطط نقل السكك الحديدية بين البلدين تواجه مشكلات جراء عدم الاتفاق على رسم الحدود، بجانب أزمات أخرى تخص حجم تكلفة المشروع وعوائق فنية تتعلق بمسافات القضبان في البلدين. وقال الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير إن التجارة البرية بين الدولتين تعتمد على معبر أرفيق البري وطريق حلفا الذي يطلق عليه “شريان الشمال”، وكان من المفترض أن يتم افتتاح طريق الساحل وهو معبر ثالث لحركة البضاعة والأفراد على البحر الحمر، غير أنه يواجه مشكلات ترتبط بوضع النقاط الحدودية الفاصلة، وبات التوجه بشكل أساسي منحازا نحو النقل النهري الأكثر هدوءا. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التجارة بين البلدين تحتاج إلى تكاليف نقل أرخص، الأمر الذي تكون له عوائد مفدية للطرفين، لكن هناك مشكلات تتعلق بعدم وجود بوابات نهرية أسفل سد مروي في الجانب السوداني تسمح بوصول البضائع المصرية بشكل مباشر إلى الخرطوم، والأمر بحاجة للمزيد من الجهود الفنية لتطهير المياه من الحشائش وإزالة العوائق التي تجعل حركة التجارة النهرية غير منتظمة. وأكد عليه وزير النقل المصري الفريق كامل الوزير في أثناء اللقاء مع نظيره السوداني هشام أبوزيد منذ نحو أسبوعين في القاهرة أن حكومته تستهدف تعظيم الاستفادة من النقل النهري في نقل البضائع لتخفيف الضغط على شبكة الطرق البرية وخفض نسبة الحوادث وتقليل تكلفة النقل. البعد الأمني يعد أحد الأسباب التي تضفي أهمية على النقل النهري، فالاعتماد على طرق قليلة للتجارة البرية بين البلدين يسمح بانتشار عمليات تهريب البضائع والبشر وأرسلت القاهرة في سبتمبر الماضي فريقا هندسيا لاستطلاع المجرى النهري في الخرطوم والمساهمة في تطهيره والاطلاع على مدى صلاحيته لاستيعاب حركة السفن التي تحمل حاويات كبيرة من البضائع، بالتزامن مع تطوير أرصفة ميناء حلفا التي يقوم بتنفيذها الجانب المصري بالتنسيق مع وزارة النقل السودانية. وأوضح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة أن البنية التحتية في البلدين شهدت تطورات عديدة على مستوى النقل البحري والبري، وتنويع مسارات التجارة يرتبط برؤى سياسية لها علاقة بأهمية مضاعفة حركة التجارة بجانب توسيع إمدادات الكهرباء من مصر إلى السودان. وأشار لـ”العرب” إلى أن الاهتمام بالنقل النهري يرتبط بأزمة الطاقة في العالم التي تحتم على الطرفين البحث عن وسائل نقل رخيصة الثمن، متوقعا أن يحظى النقل النهري باهتمام كبير الفترة المقبلة نتيجة تكرار استخدام غلق الطرق البرية للضغط على الحكومة السودانية. ويعد البعد الأمني أحد الأسباب التي تضفي أهمية على النقل النهري، فالاعتماد على طرق قليلة للتجارة البرية بين البلدين يسمح بانتشار عمليات تهريب البضائع والبشر عبر طرق ومنافذ أخرى غير ممهدة، وهي ظاهرة زادت مع إغلاق شريان الشمال. وهناك رغبة مصرية واضحة في إحكام السيطرة على المنافذ المختلفة لسد المنافذ على عمليات التهريب المتزايدة من دون أن يؤدي ذلك إلى مشكلات على المستوى توافر السلع المصرية في الأسواق السودانية، والعكس.
مشاركة :