هناك دائماً عثرات وأرق بسبب الشكوك ولكن على المبدع أن يتحدى هذا الشيء ويخلع عن طريقة الأشياء من الأوراق الزائدة التي ترهقهُ وتقف في طريقة حتى لا يفسد عليه النجاح, ذلك ما أكدت عليه الروائية القاصة الأستاذة أسماء الزرعوني أثناء حديثها لقراء صحيفة الجزيرة الثقافية. * كيف قمت بحرث حقل الإبداع، وكيف كانت التربة في ذلك الوقت واليوم كيف ترينها؟ - كُنت أختلف عن أقراني, فالبحر ساعدني كثيرًا أن اقتبس منه أشياء كثيرة، بيتنا القريب من الشاطئ جعلني أسرح مع المد والجزر والرمال الفضية التي كنت افترشها وأنا ألعب بأناملي الصغيرة مع الحروف بينما البقية من الأطفال يبنون بيوتا من الرمال، كنت أرى النخلة الشامخة في منزلنا تأخذني معها في رحلة خيالية, وكان والدي رحمة الله عليه يمتلك مكتبة صغيرة، كنت أتسلل إليها وأتوه بين الحروف والكلمات التي كانت أكبر من استيعابي لها, لذلك وجدتني ترعرعت في أرض خصبة بين العملاق الأزرق، وشموخ النخل وأب حنون محب للعلم, رغم أن المجتمع وقتها شبه منغلق، لكنني زرعت همس الحروف حيث بدأت بأسماء مستعارة في بعض المجلات، وقتها كنت في الصف السادس ولقد كان للمكتبة القريبة من بيتنا دور كبير في تشكيل هويتي الثقافية, فكنت أقتني الروايات العربية فمع القراءة شعرت أني عشت الشارع المصري منذ طفولتي وعرفت أسماء المبدعين نجيب محفوظ، محمد عبدالله، ويوسف السباعي، إحسان عبد القدوس. هكذا عشقت الحرف وجاهدت حتى وصلت إلى المكتبة العربية والعالمية. * بعدما كبرت شجرة الموهبة ونمت كيف شذبت الأوراق الزائدة والضارة من حولك؟ - هناك دائماً عثرات وأرق بسبب الشكوك ولكن على المبدع أن يتحدى هذا الشيء ويخلع عن طريقة الأشياء من الأوراق الزائدة.. التي ترهقهُ وتقف في طريقة حتى لا يفسد عليه النجاح. الموهبة تكفي أو ماذا تحتاج من وجهت نظرك وماذا كنت تحتاجين في البدايات واليوم بعد الإدراك ماذا تحتاج موهبتك للمحافظة على سير السفينة؟ الموهبة وحدها لا تكفي أهم شيء أن تمشي سفينة الإبداع بالقراءة والاطلاع وتطوير الذات ومواكبة الحياة والحداثة التي طرأت على كل شيء في حياتنا والإصرار على الإنتاج الذي يواكب العصر والتسويق لأننا أصبحنا في زمن لا بد أن نسوق لأنفسنا فنحن نعيش مع العالم كله بسبب هذه الأجهزة الذكية. * بعد أن أثمرت الشجرة بثمار متنوعة (القصة، الرواية، المقال, أدب الطفل) ما السبيل المنتهج للمحافظة على تلك الثمار، وكيف تقين نفسك من الشتات والعبث؟ - ليس سهلا أن نقطف ثمار الإبداع فالأمر يحتاج إلى مثابرة وجهد أكبر, أذكر أني خرجت بعباءتي وفكري شاركت في المحافل الثقافية عربياً وعالمياً حتى أحافظ على اسمي وإنتاجي الأدبي دخلت في منافسات الانتخابات في مجلس إدارة اتحاد الكتاب فكنت نائبة رئيس مجلس الإدارة لمدة خمسة عشر عاما، ترأست مجلة بيت السرد كذلك أسست مع أخواتي رابطة الأديبات وتعد أول رابطة في العالم العربي حيث تأسست عام 1989م برئاسة وتشجيع سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي حرم سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظهم الله. * ماذا عن عالمك الروائي كتابة وقراءة وما الأسماء النسائية البارزة في دولة الإمارات في الرواية برأيك وما أهم المواضيع الإنسانية التي تستحق أن تطرح عبر الرواية وما الروايات التي تنصحينا بقراءتها؟ - منذ أن كنت طفلة وأنا شغوفة بالرواية قرأت للكثير من الكتاب وكنت أكتب لكنني كنت وقتها ضعيفة في الإملاء والسرد واللغة العربية الفصحى، كنت أكتب واحتفظ لنفسي بما أكتب, بدأت ببعض المقاطع النثرية التي نشرتها في بعض الجرائد ولقد وجدت استحسانا منهم, كتبت الرواية بعد أن أصدرت مجموعتين قصصيتين وبعض كتب الأطفال والآن أخذتني الرواية إلى عالم واسع استطيع أن أشكل فيه شخوصي وأتناول فيه هموم المجتمع وأول رؤية كانت لي الجسد الرحل عام 2000م من إصدارات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وصدرت روايتي الجديدة عفراء من دار كلمن عام 2020م. * كم من الوقت تمضين في صحبة خير جليس وما أهم الكتب التي تحرصين اليوم على قراءتها؟ - في السابق كنت اقرأ كثيراً لكن الآن مع الأسف قلت القراءة عندي مع هذا اقرأ طبعاً الروايات كونها أقرب شيء إلى نفسي وأحب قراءة السير. * في ظل المسؤوليات الكثيرة التي تقع على عاتق المرأة، كيف عبدت طريقك إلى الإبداع مع عملك في اتحاد الأدباء ومسؤولياتكِ كأم وزوجة؟ - بصراحة اعتبرت نفسي مجاهدة لكن كنت أنظم وقتي بين عملي الوظيفي في المدرسة وبين أطفالي والبيت والعمل الإداري باتحاد الكتاب رغم أن ذلك كان على حساب نفسي، إلا أن حبي لهذه الأعمال التي بذلت جهدا حتى أتقنها بتوفيق من الله، ولقد كنت سعيدة بذلك ولله الحمد, وأهم عمل لي في الاتحاد أنني أسست ملتقى الإنارات للإبداع الخليجي عام 2010م واستمر عشر سنوات وهو أهم إنجاز لي بحياتي. * حدثينا عن الحركة الأدبية في الإمارات وخاصة الشارقة وماذا حققت المثقفة من إنجازات إبداعية؟ - الحركة الثقافية في الإمارات نشطة جداً وخاصة في الشارقة والاهتمام كبير من المؤسسات الثقافية في تنشيط الحركة الثقافية وتدعيم ذلك بالجوائز التي تطلق من الإمارات ومن الأنشطة الثقافية التي أجد ضالتي فيها ملتقى السرد وملتقى الرواية التي تنظمها دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وأحيانا تنظمها في ناد عربي آخر وتدعو إليها المثقفين من الدول العربية على حسابها وهناك الكثير من الفعاليات لا أستطيع الحصر. * برنامج تحدي القراءة العربي من البرامج الضخمة المحفزة على القراءة بعد انقضاء ما يقارب خمس سنوات كيف تقرئين ذلك العمل؟ - برنامج تحدي القراءة هو أكبر مشروع أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في العالم العربي وفي الحقيقة لهُ وقع وأثر جميل في المجتمع العربي, والحوافز والجوائز جعلته أكثر انتشاراً يكفي أنهُ جعلنا نعود إلى اللحظات الجميلة مع الكتاب والقراءة وخاصة فئة الناشئة وعلى غرار ذلك أطلق برنامج شهر القراءة من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات ففي الإمارات كل سنة شهر القراءة لكافة الناس وحتى الموظفين في أعمالهم لهم الحق في القراءة. * ما الذي اكتسبته من المشاركات عبر الملتقيات والمعارض والمهرجانات الثقافية خارج الإمارات على الصعيد الشخصي والمهني؟ - الملتقيات ومهرجانات جعلتني أتواصل مع الكتاب العرب والخليجيين عن قرب فأصبح لدي جسر تواصل ثقافي وإبداعي خارج حدود دولة الإمارات ومثال ذلك تعرفت على كثير من وسائل الإعلام الخليجية والعربية وتواصلهم معي عبر لقاءات وسائلهم الإعلامية المختلفة. * ما الأسباب التي دفعتك لعدم الاهتمام برأي النقاد رغم أهمية ذلك لأي عمل أدبي؟ - عندي قناعة تامة أني أنا اكتب للقارئ واعتبره هو الناقد الأول بالنسبة لي مع الأسف في الساحة الثقافية في الإمارات لم أجد الناقد الجاد وخاصة من إخوانا العرب أكثرهم مجاملين أو محطمين لاننا نحن تأخرنا في النقد لا أنكر أن في الآونة الأخيرة حدث حركة نقدية من نقاد إماراتيين لكنهم قله أمامهم وقت طويل، ولا أؤمن بان عشر سطور في الجريدة اعتبره نقد بناء. * كيف تمضين الوقت الخاص بك أنتِ وماذا تحبين أن تسمعي من أنغام في ذلك الوقت وما الأغاني الأصيلة الخليجية التي يطرب قلبك لها؟ - أنا نادر ما اسمع الأغاني وإذا أحببت أن اسمع مع الصديقات عبد الكريم عبد القادر، ميحد حمد، حسين الجسمي، محمد عبده، عبد المجيد عبدالله، وراشد الماجد ومن الزمن الجمل عبد الحليم حافظ. * يقال «أصعب ما في النجاح أن عليك المحافظة عليه» ما رأيك أنتِ في ذلك وكيف يحافظ الأديب على نجاحهُ؟ - المحافظة على النجاح أصعب من النجاح في رأيي أنا أن المبدع يحب ألا يغيب عن الساحة الثقافية المشاركة في وسائل الإعلام والإنتاج الأدبي، يجب ألا يتوقف عنه ولكن بشرط أن يكتب أفضل من الأول وأن يكون مطلعا على الأحداث الجديدة في منطقته وأيضاً العالم حتى يواكب ودائما أقول الكيف أفضل من الكم. * ماذا تعني لك الخطط وهل تطبقين خطة سنوية أو شهرية لأعمالك الإبداعية وغيرها من الأعمال كيف ذلك؟ - الخطة في المشاريع والعمل مهمة طبعا لكن الكتابة ليس له وقت ولا خطه أحيانا أكون في معمعة العمل أو حتى في تجمع عائلي أشعر أن الفكرة تسيطر على مخيلتي، أمسك القلم وأكتب دون تخطيط مسبق. * ما أهم شيء تقدمين لنفسكِ بعد كل نجاح تحصدينهُ وماذا تعني لك الجوائز العربية والعالمية؟ - عندما تحصد أي جائزة أحب أن أخبر صديقاتي ومن أحبهم حتى يشاركوني فرحتي وإذا كانت جائزة عالمية أو عربية اعتبر أن هذه الجائزة فازت بها كل مبدعة إماراتية، ولست أنا وحدي,عندما أجد الفرحة في عيون أبنائي بفوزي، أشعر أنني امتلكت الدنيا لأنهم دائماً يعتبروني فخراً لهم.
مشاركة :