اللبيب يفهم

  • 4/16/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حراك دبلوماسي نشط لدول مجلس التعاون الخليجي تجاه حلحلة ملفات إقليمية شائكة ظهر للعلن منها حتى الآن اليمن ولبنان دون أن استبعد أن تكشف قادم الأيام عن حراك مشابه تجاه العراق وتركيا، ولا ننسى أيضًا الدعم الخليجي المالي لمصر لمساعدتها على تعزيز استقرارها ماليًا واقتصاديًا. هذا الحراك لا يمكن عزله عن ملفات إقليمية كبيرة وفي مقدمتها ما يرشح عن قرب التوصل لاتفاق نووي جديد بين إيران والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وعالمية في مقدمتها الحرب الروسية في أوكرانيا وما قد تسفر عنها من إعادة رسم النظام العالمي الجديد الذي ربما تعزز واشنطن هيمنتها عليه أو تتقدم الصين خطوة أخرى نحو منازعتها زعامة العالم. كرات البلياردو تتحرك بقوة الآن على طاولة تصارع القوى والنفوذ العالمي، وكل كرة تصدم بالأخرى تحدث صدىً يطال بلا شك باقي الكرات، واللاعب الماهر هو الذي يعرف كيف يتموضع بشكل جيد في هذه اللعبة ويقذف بهدوء ودقة كرة قد لا تكون هي الهدف الرئيسي، لكنه يعمل على تحريك ما أمكن من الكرات لصالحه استعدادًا للرمية القادمة، والفوز باللعبة. ودول الخليج العربي بقيادة السعودية، وأعني هنا بشكل خاص مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة، تدرك تمامًا الإمكانيات الهائلة التي تملكها والتي تمكنها من إحراز مكانة متقدمة على خارطة العالم السياسية والاقتصادية، وأن الاعتماد على دعم الولايات المتحدة الأمريكية وحتى بريطانيا فقط لم يعد مجديًا بعد الآن، وأن من الأفضل نسج تحالفات أخرى مع دول العالم القريب والبعيد، تحالفات مبنية على الندية والقوة والمصالح المشتركة. أنا متفائل كثيرًا هذه المرة بالحراك السعودي تجاه الملف اليمني، ويبدو أن وقف إطلاق النار صامد إلى حد كبير في هذا البلد العربي الذي مزقته حرب فرضت عليه وعلى دول الخليج العربي من قبل جماعة الحوثي المارقة ذات الهوى الإيراني، والتي تتحرك وفقًا لأجندات طهران، متناسية الدور الإيراني التدميري في دول عربية أخرى مثل سوريا والعراق ولبنان، وأن لا مشروع حضاري يجلب الرفاه والازدهار لإيران، بل مشروع طائفي قائم على الفتنة والقتل والتدمير. لقد بث القرار السعودي بعودة سفير الرياض إلى لبنان ارتياحًا كبيرًا في نفوسنا، فدائمًا كن الدعم السعودي للبنان، البلد العربي الهوى والانتماء بحكم الدستور واتفاق الطائف، بشرى خير تجلب الازدهار والتطور والاستقرار، وهو قرار يؤكد أيضًا حرص السعودية على عدم التفريط في العلاقة مع لبنان والإبقاء عليه في الحضن العربي. ليست علاقة السعودية مع لبنان مبنية على التاريخ واللغة والثقافة المشتركة، بل أيضًا على مصلحة لبنان أولاً، فهل من عاقل يضحي بالعلاقة مع السعودية التي خطب العالم كله ودها مقابل علاقة مع إيران المنبوذة التي لا يريد أحدًا الذهاب إليها؟  في الواقع أعتقد أن جميع اللبنانيين الشرفاء من مسؤولين ومواطنين مدعوين الآن للعمل على أن تبقى العلاقات اللبنانية - العربية على أحسن ما يكون من أجل اللبنانيين جميعًا. ليس لنا حضن سوى السعودية، لا أمريكا ولا حتى فرنسا التي ترى أنها وصية على لبنان وتربطه بها فرانكفونيا، وقد رأينا كيف بذلت فرنسا جهودًا جبارة وعلى أعلى المستويات من أجل حلحلة الملفات اللبنانية العالقة، وحتى إن كانت نواياها طيبة فهي لن تستطيع تقديم الكثير للبنان. السعودية وحدها من تستطيع لأن أزمة لبنان اقتصادية نجمت عن أزمة سياسية، والسعودية قادرة على حل الأزمتين معًا. أعرف رئيس الوزراء اللبناني الحالي نجيب ميقاتي منذ كنا طلابًا في المدرسة، وأدرك كم الرجل هادئًا وحكيمًا، وأثق بقدرته على تخطي العراقيل التي تضعها بعض الفئات في لبنان تجاه عودة العلاقات الطبيعية مع السعودية، وعلى تلك الفئات المعطلة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس سيادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى عدم تهريب الممنوعات وخصوصا المخدرات، هذا إذا أرادت الخير للبنان ولجميع اللبنانيين. العودة السعودية إلى لبنان تأتي في وقت حاسم عشية الانتخابات النيابية، والرياض حريصة على تحالف يجمع كافة حلفائها في لبنان ليحصلوا على كتلة نيابية وازنة كخطوة على طريق استعادة التوازن، وتعزيز الحضور بانتظار لحظة إقليمية ودولية تفرض عقد تسوية في لبنان تكون بقيادة أو بمشاركة سعودية فاعلة. على صعيد ذي صلة، لاقى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي يمني برئاسة رشاد العليمي لتولي مهام إدارة الدولة سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا طوال المرحلة الانتقالية ترحيبًا عربيًا ودوليًا واسعًا، وباركته الأمم المتحدة. وحدها إيران وأتباعها في المنطقة مثل النظام السوري والحشد الشعبي في العراق لم تعلق عليه، بل ربما تعمل على محاربته في الخفاء وتشجيع الحوثيين على عدم الانخراط فيه وإنقاذ بلدهم. فأيهما أفضل؟ الحرب والدمار والدماء أم الاستقرار والسلام؟ ليس المطلوب من اليمن أن يكون تابعًا للسعودية، المطلوب فقط ألا يكون مصدر تهديد لها وأداة بيد أعدائها، فهل هذا الأمر صعب؟ وهل السعودية غير محقة في مطالبها هذه؟ وفي شأن آخر، بدا واضحًا في ملف الحرب الروسية في أوكرانيا أن دول الخليج العربي توقفت عن منح شيك على بياض للغرب وأمريكا، وبدا ذلك واضحا من خلال مواقف هذه الدول في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، حيث التزمت الحياد، كما لم تستجب مجانًا لطلبات الغرب بزيادة إنتاج النفط والغاز لتجنّب آثار إبعاد النفط الروسي عن الأسواق، ولم تلتزم بالعقوبات الأمريكية على روسيا، فلقد ولى زمن جورج بوش الابن صاحب المقولة الشهيرة «من ليس معنا فهو ضدنا»، كما تعلم أمريكيًا جيدًا أنها لا تستطيع فرض لعبتها على دول الخليج العربي كما تفعل مع باكستان مثلاً. هذه كلها مؤشرات قوة ومؤشرات إيجابية ومؤشرات خير، وعلى اللبيب أن يربط هذه الأمور كلها ببعضها، فليس لدينا حضنًا سوى السعودية، وقد أتضح مرة تلو أخرى أن دولا مثل مصر والسعودية بحجمها ومكانتها الإقليمية والعالمية هي الركيزة الكبرة لعروبتنا. وأنا أقول لأصدقائي شمروا عن سواعدكم، علينا أن نبني ما تهدم في بلدانا العربية الغالية، ونساعد أنفسنا وأولادنا وأهلنا ومجتمعاتنا على استعادة ما فاتنا من تنمية وازدهار طيلة العقود الماضية، وأن نعود للمكانة التي نستحق بين أمم الأرض.   *رئيس مجلس إدارة مجموعة برموسِفِن القابضة

مشاركة :